رسالة على الفيسبوك ماسنجر من صديقة تقول: “حجرت نفسي طوعيّاً، كنت بإسبانيا وجلبت معي الفيروس” كعادتها هذه الصديقة بروحها الجميلة كانت متفائلة بأنها ستتجاوز هذه المرحلة وتتعافى. لكن كحال أي مصاب بالكورونا لا بد من معرفة كيف وصلت لها العدوى في مدريد، وماهي الإجراءات التي مرت بها خلال سفرها بين مطاريّ مدريد وكولونيا، ثم داخل ألمانيا؟
ميساء شقير كانت في مدريد مع بداية انتشار الكورونا هناك ذهبت لزيارة عائلة مُقربة منها في مدريد بتاريخ 4 آذار بالوقت الذي سجّلت فيه إسبانيًا 228 إصابة، (ولم يكن بين من احتكت بهم آنذاك أي مصاب بالكورونا) ولم تكن إسبانيا حينها في واجهة الدول التي تعاني من هذا الفيروس، بعد 5 أيام من وصولها لمدريد ظهرت أعراض الإصابة على السيدة المُضيفة التي تعاني أساساً من مرض الربو، وكانت الأعراض إرتفاع حرارة مفاجئ مع ضيق تنفس خفيف، في اليوم التالي 10 آذار دخلت السيدة المشفى، فوراً تم الاشتباه بإصابتها بالمرض وحجروها صحيّاً وأجروا لها تحليل فيروس كورونا، وأدخلوها العناية المركّزة وكانت لديها أعراض إرتفاع حرارة مع ضيق تنفس ونقص أكسجة في الدم.
غادرت السيدة ميساء مدريد قبل معرفة نتيجة التحليل، وهذا ماحدث معها بعد ذلك في ألمانيا:
ميساء التي رافقت مضيفتها للمشفى بمدريد، حصلت بالصدفة على كمامة من المشفى بسبب مرافقتها لحالة تم الاشتباه بإصابتها بكورونا، وبعد وضع صديقتها بحالة الحجر الصحي قررت مغادرة إسبانيا حتى تتجنب الاختلاط، خصوصاً مع ظهور أعراض الإصابة على زوج المضيفة وأحد ابنائها، وصلت بتاريخ 11 آذار من مطار مدريد لمطار كولونيا الألماني مرتدية الكمامة، بهذا التاريخ كانت إسبانيا قد سجلت 2277 إصابة و55 حالة وفاة معظمهم في مدريد، وصلت مطار كولونيا وتفاجأت بعدم إتخاذ إجراءات صحيّة مناسبة، حتى أنهم لم يقوموا بقياس درجة حرارتها، فقط طلبوا من الواصلين تعقيم أيديهم والمغادرة.
اتصلت ميساء بصديقها كي يوصلها بسيارته الخاصة من مطار كولونيا لمنزلها الذي يبعد أقل من ساعة سفر عن مدينة كولونيا حتى تتجنب وسائل النقل العامة، والتزمت بمسافة أمان مع صديقها الذي أوصلها لمنزلها، وبدأت حجرها الصحي الطوعي.
الأعراض..
في اليوم التالي، بدأت تشعر بإرتفاع الحرارة، وفي صباح اليوم التالي أخبروها من مدريد أن نتيجة فحص مُضيفتها هناك إيجابية كحاملة للفيروس، كي تأخذ احتياطاتها وتتواصل مع الجهات الطبيّة في ألمانيا لإجراء الفحص.
حاولت الاتصال يوم 13 مارس بالرقم المخصص لحالات الكورونا في مدينتها ولكن عبثاً ذهبت محاولاتها، اتصلت مساءاً بالرقم 116117 المخصص للمساعدة الطبية أيام العطل وطلبوا منها الانتظار، وبعد نصف ساعة انقطع الإتصال، عاودت الكرة وتكرر السيناريو نفسه.
بعد ذلك قررت الاتصال برقم الطوارئ 112 كونها شعرت بازدياد سوء حالتها، طلبوا منها الانتظار حتى يتصلوا بمشفى قريب لمتابعة حالتها. لم يتصل أحد من المشفى، أعادت مجدداً محاولات الإتصال مراراً بمكتب الصحة المخصص لمتابعة هكذا حالات وبعد محاولات كثيرة اجابوا على اتصالها وأخذوا معلومات عامة ثم قالوا لها سيتم الاتصال بك غداً لتحديد موعد الاختبار.
انتظار الإجراءات الطويل:
في اليوم التالي لم يتصل أحد بها، وكانت منزعجة من هذا الإهمال خصوصاً مع ازدياد حالتها الصحية سوءاً، واتصلت بالطوارئ وأخبرتهم إذا لم تقوموا بالمساعدة خلال ساعة وإيجاد حل لايوجد خيار أمامي إلا الذهاب للمشفى بنفسي بدون موعد، قالوا لها: “انتظري سنتصل بمديرية الصحة حتى يعطوكي موعد للتحليل”. وفعلًا بعد ساعتين مساء 14 مارس اتصلوا بها من مديرية الصحة وكان المتحدث موظف تكلم بهدوء وأعتذر منها بشدة وأخذ المعلومات، وقال لها: “يوجد لدينا ضغط وسيتم الإتصال بك خلال يومين على الأكثر”.
بعد ثلاثة أيام اتصلت بها موظفة جديدة بمديرية الصحة وتأكدت من معلوماتها وقالت: “سنتصل بك بعد أربعة أيام لنحدد لك موعد الفحص”، هنا غضبت ميساء وقالت لها: “غير معقول بعد ثلاثة أيام تريدون مني الانتظار لأربعة أيام آخرى حتى تعطوني موعد للفحص”، اعتذرت منها الموظفة وقالت “أنا جديدة هكذا طُلب مني ولا أعرف أنك اتصلتي قبل ثلاثة أيام”.
صباح يوم 16 مارس اتصلت ميساء مرة آخرى برقم مديرية الصحة ليرد عليها موظف منزعج ويقول: “حتى لو انتظرتي 3 أيام “لدينا عمل وربما ستضطري للانتظار لخمسة أيام آخرى ويجب ألا تتذمري وتلتزمي منزلك وتنتظري.
بنفس اليوم اتصل بها رقم مختلف وحددوا لها موعداً للفحص في اليوم التالي، بعد أن عرضت عليهم أن تأتي بنفسها بسيارتها لمركز الفحص حتى يأخذوا منها عينة لفحصها، هذا ماجرى وذهبت إليهم وظهرت النتيجة بعد ثلاثة أيام بالإيجاب وتم تأكيد إصابتها بالفيروس. خلال عشرة أيام كانت تتناول حبتين خافض حرارة باراسيتامول كل أربع ساعات لأن الحرارة المرتفعة والتعب الجسدي العام كانا أبرز عرضين شعرت بهما بعد وصولها لألمانيا ثم بدأت تشعر بالزكام.
الآن هي تتحسن بشكل يومي تدريجياً وزال عنها ارتفاع الحرارة، مُضيفتها عادت للعناية المركزة لعدة أيام بمدريد وغادرت المشفى قبل أيام. كل التمنيات بالسلامة لهما ولجميع المُصابين.
كوني شاهداً على هذه القصة وعلى غيرها من أصدقاء زاروا إيطاليا موخراً وشعروا بأعراض الإصابة ولم تُجر لهم الفحوصات اللازمة بعد (وربما يكون أي منهم الآن مصاب بالكورونا)، وبعد سماعي وقراءتي تصريحات حكوميّة عدة في ألمانيا عن قوة النظام الصحي، وقدرته على تجاوز الأزمة والتجهيزات الجيدة لمواجهة المرض، يتبادر لي السؤال التالي: هل النظام الصحي الألماني فعلاً بخير؟
صخر المحمد. صحفي سوري مقيم في ألمانيا