تحتضن برلين هذه الأيام معرض الفنان السوري حازم الحموي “نحو اللون- Nach Färben”، ويضم أعمالاً بالأبيض والأسود بدأها منذ 2011، وأعمال جديدة من بينها مجموعة (الفقدان).
حيث ثمة أجزاء “ناقصة” من العمل، يقول عنها الفنان حازم الحموي “هذا الفراغ هو جزء من العمل. إنه الفقدان وهو جوهر مقولة العمل هو شعور تتعرض له الروح فتفقد جزءاً منها مثل أي جسد يفقد طرفاً من أطرافه. أردت أن أقول أنا ومثلي كثيرون ينتابنا شعور هائل بالفقدان.. فقدان كل شيء إلا الأمل”.
ولد حازم الحموي عام 1980 في دمشق، تخصص في الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، ثم درس صناعة الأفلام الوثائقية الإبداعية في المعهد العربي للفيلم في عمان-الأردن. استمر في العمل في مجالي الفن التشكيلي والسينمائي. وشارك في عدة معارض فردية وجماعية في دمشق ، حلب ، أمستردام وغيرها.
يعتبر الحموي أن الأصل هو التشكيل، لكن الخيال يدفع بالأشكال والشخوص والأماكن للحركة. نقل الحركة الكامنة في اللوحة إلى حركة ذات سياق مرتبط بتركيب الفيلم: “اللوحة تعزز الرحلة نحو الداخل، عالم الإنسان العميق والخفي لكون المتلقي هو من يقود تلك الرحلة بنفسه. كل إنسان ومكونات شخصيته وقصة حياته. في الفيلم يأخذ صناع الفيلم المتلقي في رحلة نحو الخارج ثم يقوم المتلقي بتحديد الأثر. في اللوحة يقود الرحلة والأثر معاً”.
استقر حازم الحموي في برلين منذ أوائل 2014، حيث صُدم بحقيقة أن استمراره متوقف على أنه أصبح “لاجئاً”، يقول عن تلك المرحلة أنه أصيب بما يسميه “الجنون لوناً”، وبدأ بالرسم. حيث تعرف على نجار كان يقدم له بقايا قطع الخشب في ورشته ليرسم عليها ومع هذه الوفرة بدأ ينزلق في اللون.. ثم مع الوقت هدأت العلاقة مع اللون بعد أن بدأت لعباً وانفعالاً.
يصف نفسه في تلك المرحلة بالقول: “دخلت إلى رأسي كمن يفتح باب غرفة مليئة بالأغراض والفوضى، يختلط فيها ما هو ثمين وقيم مع قمامة لا معنى للتمسك بها ومن الأفضل التخلص منها. بعبارةٍ أخرى وجدت في أعماقي كميةً لا يستهان بها من رواسب العنف والذكورية والتي كنت ضدها منذ أيام عيشي في سوريا، لكنها نالت مني أيضاً، فبدأت ما يمكن أن أسميه “ورشة تنظيف الطاسة”. أشعر اليوم بأن روحي أخف وربما أجمل. طبعاً هذه رحلة لا تنتهي وأراها رحلة جميلة، رحلة تنقية من العنف والذكورية وهما مركبان مرتبطان ببعضهما وينتج عنهما عالم كالذي نعيش فيه”.
لاشك أن مغادرته لسوريا إلى مكان إقامته الحالي في ألمانيا كان له أثر على أعماله، إلا أن “الأكثر تأثيراً على الإبداع هو اختلاف منطق البقاء في كل مكان عن الآخر”. من ناحيةٍ أخرى كان للثورة السورية تأثير كبير على حياته، بل إنها أعادت تكوينه، فهذا الألم ليس شخصياً بل جماعي، خلق شعوراً بالانتماء ، شعور عميق وحقيقي خارج كل أيديولوجية، حيث أن التزام الفنان بقضايا أمته هو أمرٌ يحصل بتلقائية وبلا أي مجهود مفتعل.
يقول “الحموي” ما حصل في بلدي جعلني أستيقظ على أمور عديدة منها كم هي الحياة قاسية وثمينة في آن واحد. أرسم بيوتاً كثيرة لأن قصصها كثيرة ومتداخلة. تبزغ من البيوت أوراق خضراء لأننا “محكومون بالأمل” كما قال سعد الله ونوس.في لحظات كثيرة كانت هذه الفكرة هي الحبل الذي يربطني بالحياة، لذلك تحولت كثير من البيوت إلى أزهار. ألأمل لدي ينتصر بشكل يدهشني أحياناً”.
تشكيلياً خلال السنوات الخمس الفائتة انزلق الحموي نحو اللون، فلم تعد علاقته باللون “سياحية” حيث كان الأبيض والأسود كل عالمه تقريباً، وأيضاً لم تعد في مرحلة طفل فرح بعلبة ألوان لا يعرف يأكلها أم يرسم بها من شدة الفرح. ثمة هدوء يتسرب وحوار أعمق وأطول مع اللوحة، صبر جميل وممتع وساعات انتظار وعمل؛ “وأعتبر أن الرحلة مع اللون للتو قد بدأت”.
إضافةً إلى معرضه الذي سيستمر حتى السابع والعشرين من شهر تشرين الأول أوكتوبر، يعمل الحموي الآن على فيلم طويل يعالج واقع القادمين الجدد حيث أصبحوا يواجهون عالمين أو نظامين، “ذاك الديكتاتوري الخشن الذي جاؤوا منه، والآخر رأسمالي عنفه مغلف بظروف ورقية ناعمة” كما يقول. الفيلم من إنتاج زينة زهر الدين المقيمة في كندا بالتعاون مع المنتج الألماني فلوريان شيفيه Florian Schewe .
معرض “نحو اللون- Nach Färben” مستمر ما بين 13.09.2019 إلى 27.10.2019
Gallery Church on the tempelhofer field
Wolffring 71،12101 Berlin
مواد ذات صلة:
بيوغرافي فنان العدد: محمد خياطة.. التنوع في آليات التعبير تعويضاً عن ذاكرةٍ تُـفتَقد
بيوغرافي فنان العدد: خليل عبد القادر – رحلة في غرفة بعيدة
بيوغرافي فنان العدد: وليد المصري.. حين تصبح اللوحة حاملاً لآلام الوطن