يبدو أن الاعتداءات الجنسية مازالت موضوعًا مطروحًا في ألمانيا، فبعد أحداث التحرش الجماعي المؤسفة في مدينة كولونيا عشية رأس السنة، وما أثارته تلك الحادثة من ضجة.
على صعيد آخر يتكرر الحديث اليوم عن اعتداءات جنسية ضد اللاجئات في مراكز استقبال اللاجئين، ولكن المؤسف حقًا؛ أن هذه الاعتداءات التي تشمل التحرش، الاغتصاب، ومحاولة الاغتصاب، والتي تعاني منها عشرات اللاجئات في أماكن اللجوء لا تُقابل بنفس الاهتمام التي حظيت به أحداث كولونيا.
هذه الحوادث لا تلقى الاهتمام المطلوب على أي مستوى، فالإعلام الألماني لم يقدم سوى بضعة تقارير خجولة عن الموضوع، والمقلق حقًا هو توارد روايات عدة من ضحايا وشهود عيان في أماكن تجمع اللاجئين في مدن ألمانية مختلفة تفيد بتخاذل السلطات المعنية من إداريين في هذه المراكز، وكذلك من الشرطة باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق الفاعلين، وحماية ضحايا هذه الاعتداءات، ورغم أنه من الصعوبة بمكان تتبع جميع هذه الشهادات لنحصل على ردود على هذه الاتهامات بالتقاعس من الجهات المعنية من جهة، ولنسلط الضوء على أسباب تكرر هذه الحوادث من جهة ثانية، هذا المقال سيفترض صحتها بهدف تقديم معلومات ضرورية للاجئات لتفادي الاعتداءات، وكيفية التصرف في حال حدوثها، وكذلك في حال إهمال المعنيين للشكاوى، ولتحقق هذه المادة أقصى فائدة ممكنة فقد صيغت على شكل أسئلة وأجوبة:
لماذا تحدث هذه الاعتداءات في مراكز تجمع اللاجئين ؟
إن العنف الجنسي ضد المرأة مازال أمرًا تعاني منه النساء في كل دول العالم، وإن اختلف حجمه وخطورته بين الدول لأسباب قانونية واجتماعية، العنف يحدث في ألمانيا أيضًا، وتشكل مراكز تجمع اللاجئين بشكل خاص بؤرًا لهذا العنف لكونها شديدة الاكتظاظ، وإيجاد حلول ناجعة لهذه الحوادث يقع على عاتق السلطات الألمانية المختصة بشؤون اللاجئين، كأن تفصل أماكن استقبال النساء والعائلات عن الرجال، وأن تخصص مرافق خاصة للنساء، وتزيد من الرقابة على هذه التجمعات، إلا أن هذه المقترحات الآن تبدو بعيدة المنال، فمع تدفق أعداد هائلة من اللاجئين لم تعد هذه الكامبات على مساوئها قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة، مما جعل الصالات الرياضية والخيام وبعض الأبنية الحكومية مواقع جديدة لتجميع هؤلاء اللاجئين، وفي هذه الأماكن تتفاقم أزمة التحرش، ففي حين لا تستطيع النساء في المواقع المهيأة لاستقبال اللاجئين إقفال أبواب الغرف مثلا، ويحق للموظفين والإداريين دخول هذه الغرف بأي وقت، فإن النساء الموجودات في الصالات الرياضية والأماكن المفتوحة لا يتمتعن بأدنى خصوصية، فحتى هذه الغرف المشتركة غير موجودة، حيث توضع مئات الأسرّة في أماكن مفتوحة، لتكون مراكز استقبال جديدة، وهكذا تضطر النساء للعيش والنوم وتدبير كل جوانب الحياة في مكان عام فيه مئات الرجال، مع وجود نقص واضح في الكوادر القائمة على هذه المراكز، بل تشكل بعض هذه الكوادر مشكلة بحد ذاتها، فرغم أن المعتدي يكون لاجئَا أيضًا في معظم الحالات، إلا أن بعض الاعتداءات كانت من قبل الموظفين أنفسهم.
ماذا علي أن أفعل لتحاشي الوقوع كضحية لهذه الاعتداءات؟
كما أسلفنا فإن الحلول الجذرية تقع على عاتق السلطات الألمانية بتغيير ظروف هذه المراكز، إلا أنه من المفيد تقليص احتمالات التعرض للتحرش عبر عدة تدابير قد تساعد في ذلك، وإن كان بعضها للأسف يحد من حريتك وخصوصيتك، فيفضل عدم التواجد وحيدة في الحمامات أو الممرات أو الأماكن المتطرفة من هذه التجمعات. سيكون من الجيد أن يرافقك أحد، أو على الأقل احرصي أن تكوني قريبة من مجموعة من الناس دائما، إن تكافل النساء في هكذا ظروف مؤثر جدا فيمكنكنّ تشكيل فريق لحماية أنفسكن والأخريات، ووجود مبادرات من هذا النوع سيشكل بحد ذاته رادعًا للمتحرشين الذين يعتمدون بطبيعتهم على صمت وخوف ضحاياهم وعلى تعامل النساء بسلبية تجاه الانتهاكات في حقهن، ويمكن الاستعانة بتكتيكات ابتكرتها نساء أخريات عشن هذه الظروف في بلدان وظروف مختلفة، هناك مثلا: صفارة التحرش طريقة ناجحة استعملتها النساء في عدة دول في إفريقيا، وتعتمد فكرتها أن تحمل النساء صفارة صغيرة، يمكنك وضعها بحبل حول عنقك بشكل دائم وفي حال شعرت بالخطر أو اقترب منك شخص ما بطريقة مريبة فيمكنك إشعار الأخريات عن طريق استخدامها، وكأنها إخطار بأن إحداهن بحاجة لمساعدة، وسيكون من الجيد إشراك رجال الأمن الموجودين في هذه التجمعات بالخطة، واعتقد أن هذه الطريقة مفيدة جدا لمحدودية مساحة هذه المخيمات واكتظاظها. إن تمارين وحركات الدفاع عن النفس ستكون أيضا مفيدة ومع أنه من الصعب الخضوع لتدريبات في هذه المرحلة الحرجة من حياة اللاجئات إلا أنه خيار جيد في حال وجود انترنت أو شخص يتقنها، وبالتالي يمكنكن كمجموعة محاولة التدرب عليها أو على الأقل تذكر أماكن الضعف في الجسم دائما: “الأذن، العين، الأنف، الرقبة، الركبة، الأعضاء الذكرية تشكل نقطة ضعف جيدة للمتحرش” ويمكنك دائما ابتكار طرق جديدة، ولكن يجب التأكد من قانونيتها.
ماذا أفعل لحظة هجوم متحرش أو مغتصب؟
استعمال بعض التكتيكات الآنفة سيكون مفيدًا خصوصًا في حال تشكيل فريق، يضاف لذلك بعض التفاصيل المهمة في حال قررت الدفاع عن نفسك كخيار وحيد، أولاَ من المهم جدًا معرفة أن أي فعل قد تقومين به يجب أن يهدف لإلهاء المعتدي، مما يمنحك وقتًا جيدًا للهرب وليس لمعاقبته، ورغم أن تلك التجارب تضعنا بلحظات عصيبة تشل التفكير، إلا أنه من المهم جدا تمالك نفسك لتفكري بشكل جيد وسريع جدا، فيجب مثلا أن تمسحي المكان بنظرة سريعة لتقرير كيفية الهرب، وحاولي دائما اختيار أماكن مفتوحة لا أن تهربي لأماكن مغلقة قد تمكن المعتدي من استدراكك في مكان مثالي لجريمته، يجب التركيز على أفضلية في المكان، إذا قررت ضربه على الصدر أو ما بين الأقدام يجب أن تعودي خطوة للوراء وتركلي بقوة، أما إذا اخترت الوجه فخطوة خاطفة للأمام، ويجب أن تكون الضربة سريعة وقوية بما يكفي للإطاحة به أرضًا.
هل يمكنني استخدام رذاذ الفلفل كسلاح؟
بحسب الصحفية الألمانية ليليان بيتان: “يستخدم بخاخ الفلفل بشكل قانوني لإبعاد الحيوانات، ويجب أن تحمل كل علب الرذاذ عبارة “طارد للحيوان” وبالتالي فهو ليس سلاحًا، ويمكن شراؤه من المحلات، لكن من غير القانوني استخدامه ضد البشر، واستخدامه ضد إنسان يجعله سلاحا، وهذا جرمٌ وتهمة جادة في القانون الألماني، ولا يعتبر استخدامه جرمًا في حالات الدفاع عن النفس وفي حال هاجمك شخص ما جسديا، وهذه قضية صعبة حيث يجب إثبات وقوعك في خطر جسدي محدق وعدم مبالغتك في رد فعلك، في المحكمة”. ولذلك فإنه من الجيد والسهل اقتناء رذاذ الفلفل، ولكن يجب عدم استسهال استخدامه اتجاه شخص إلا في الحالات الحرجة جدًا ولهذا لا تبادري باستخدامه إذا كان التحرش لفظيًا أو قبل أن يهم المعتدي بمحاولة جدية جدًا وخطيرة لإيذائك، وفي حال اضطررت، يجب التأكد أنك تحملين العبوة بشكل صحيح لكي لا تؤذي نفسك بدلا من المعتدي كما يجب إبعاده عن وجهك فالهدف من استخدامه الهرب لا منح المعتدي أفضلية.
- ما الذي عليّ فعله كضحية للتحرش أو الاغتصاب أو الشروع به؟
من الضروري جدا تقديم شكوى، والحديث عن الأمر، الصمت ليس خيارًا جيدًا على الإطلاق، لأن هذا المتحرش يعيش في ذات المكان، واعتداءاته ستتكرر ضدك وضد أخريات، وكونك ضحية لهذه الجريمة، فهذا لا يحملك أي مسؤولية عن وقوعها، النساء في مجتمعاتنا يؤثرن الصمت خوفًا من التبعات الاجتماعية، لكن هذا يجعل التحرش يتفاقم كما أن المتحرشين والمغتصبين ليسوا بحاجة لأسباب خاصة للقيام بجرائمهم، بل هم يعوّلون أيضًا على صمت النساء، وقبولهن لهذا العنف، أنت الآن في دولة تعلي القانون، وتجرم التحرش والاغتصاب، لذلك من الضروري جدًا أن تستدعي الشرطة، أو تطلبي من إدارة المكان استدعاءها، وفي حال تعذر الأمران، يجب الذهاب لمركز الشرطة وتقديم بلاغ، من المهم جدًا أن تحفظي الرقم : 08000116016 في هاتفك المحمول، وهو خط ساخن لتلقي شكاوى النساء ضحايا العنف بكل أشكاله، هذا الرقم مجاني، وهو تابع للوزارة الاتحادية للأسرة، يمكنك الاتصال بأي وقت خلال اليوم ليلاً، نهارًا، وعلى مدار أيام السنة بما فيها العطلات والأعياد، يمكنك التبليغ عن تعرضك لأي عنف بما فيه التحرش والاغتصاب، وكذلك في حال كنت شاهدة على حصول هكذا اعتداء، يُخَدِّم هذا الخط المتحدثين ب 15 لغة مختلفة منها العربية، وفي حال عدم إتقانك القليل من الألمانية أو الانكليزية لتخبريهم بحاجتك لمتحدث باللغة العربية، يمكنك فقط حفظ كلمة اللغة العربية، وهي بالألمانية (Arabisch) وتلفظ أغابِش، بالإنكليزية (Arabic) وتلفظ أرابيك، عندما يستجيب الموظف/ة فقط قولي هذه الكلمة وسيعاودون الاتصال بك مع متحدث باللغة العربية، تقديم شكوى على هذا الرقم سيمنحك مساعدة بلغتك الأم، ولهذا احرصي على استعماله، سيتم ذلك بسرية تامة ومجانًا، كما أن بياناتك لن تقدم لأي جهة أخرى إلا في حال موافقتك.
ماذا لو امتنعت إدارة الكامب أو الشرطة عن مساعدتي؟
تقول السيدة ح.ت: “لقد تحرش بي رجل حيث أقيم في مركز استقبال للاجئين، وحين استدعيت الشرطة قالوا إنه لا يمكنهم التدخل إلا في حالة وجود دليل على الاغتصاب، وبعد أن جن جنوني عليهم لعدم اتخاذهم أي إجراء، جل ما فعلوه نقلي مع ابنتي، لقسم يستخدم عادة للحجر الصحي، ولكنه الآن مخصص للعائلات، أعاني يوميًا من حوادث التحرش، إحداها وصلت لمحاولة الاغتصاب والآن هناك رجل من أمن الكامب يقف بالقرب من المكان دائما”.
بينما تصف س.س تجربتها مع السلطات بعد اغتصابها: “ربما أسوأ ما في الأمر التعامل مع الشرطة” وتضيف: “قالت المحامية إن علي تقديم دليل يقنع المدعي العام بتحويل القضية للمحكمة وإذا ربحت القضية لن أدفع تكاليفها، بينما إذا لم يقتنع النائب العام فعلي حينها دفع أتعاب المحامية، وهذا ما لا أستطيعه”.
هذه نماذج عن شهادات ضحايا من اللاجئات السوريات وصلتني، ولذا من الضروري معرفة الإجراءات القانونية المتبعة في حال شكاوى التحرش والاغتصاب، لعدم السماح لأيًا كان بالتلاعب بالشكوى، ويجب معرفة أن بعض القائمين على بعض أماكن إيواء اللاجئين يستهترون بالشكاوى، إما لعدم رغبتهم بلفت نظر السلطات أو الصحافة لسوء أحوال المكان، أو لادعائهم بأنها شكاوى كاذبة، لكن التحقق من صدق شكواك ليس من اختصاص الموظفين، وعليهم استدعاء الشرطة، وإن لم يفعلوا، فلا تتواني عن فعل ذلك بنفسك، أو الاتصال بالخط الساخن، أما عن الشرطة فتقول المحامية نهلة عثمان: “من واجب الشرطة فتح محضر بالشكوى في حال وجود دليل، أما في حال عدم وجوده فعليك أن تطلبي توقيعًا ما يسمى بالألمانية:(Eidesstattliche versicherung) وهو إفادة ضمان، ويكون عبارة عن توقيعٍ باسمك على قَسَم بأنك تعرضت لما تدعينه، وبناءً على هذا التعهد، تباشر الشرطة والمحكمة الإجراءات القانونية المبدئية، ومن الضروري أثناء تقديم شكوى وعمل محضر، اصطحاب شخص آخر كشاهد على تقديم الشكوى في حال تقاعس الشرطة، في حال توقيعك لهذا القسم، فإنه يعتبر كدليل يرفق مع محضر الشرطة، التي ترسله إلى النائب العام، والذي بدوره يقرر تحويل القضية للمحكمة من عدمه”.
إذن، فعلى الشرطة التعامل مع كل شكوى على أنها صادقة وجدية حتى يثبت العكس، والبت بأمر هذا النوع من الشكاوى من اختصاص النائب العام، فالشرطة مجبرة على القيام بتسجيل محضر بوجود دليل فعلي أو بوجود هذا التعهد.
معلومات الاتصال ببعض المؤسسات والجمعيات المتعلقة بالعنف ضد المرأة:
FRAUEN GEGEN GEWALT E.V (نساء ضد العنف)
تلفون : 03032299500 / فاكس: 03032299501 / @ : info@bv-bff.de
……………………………….
الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة:
- BUNDESMINISTERIUM FUR FAMILIE,SENIOREN,FRAUEN UND JUGEND
ت : 03020179130