رشا الخضراء. إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
إذا ضربك فهو يحبك!
كنت منذ يومين أتحدث مع سيدة تعتبر ملهمة ومساعدة للمجتمع العربي في إحدى مناطق برلين، وكان الحديث عن حقوق المرأة، تطرقنا إلى العنف المنزلي الموجه ضد المرأة وصعقتُ عندما قالت لي “أحياناً بعد أن يضرب الرجل زوجته يعودان إلى بعضهما بكل حب ويقتربان من بعضهما أكثر!” وفي جملةٍ أخرى “طبيعي أن يتحكم في مظهرها، فهي له، سيطير عقله إذا رآها غيره!”
لم أستطع قول شيء لأني كنت أحاول أن أمتص الصدمة من سيدة كانت تدعي أنها قائدة مجتمع وتعمل على رفع مستوى الثقافة ضمن الجالية.
هاتف الاستغاثة للإبلاغ عن العنف ضد النساء في ألمانيا
المرأة تستحق ما يحل بها من عنف!
أجريتُ استطلاع رأي وبحث عن حالات من النساء المتزوجات ممن تعرضن لعنف منزلي من قبل أزواجهن، والمؤسف أن العديد منهن مازلن يتعرضن لعنف مستمر سواء جسدي بالضرب، أو لفظي بالإهانات والشتائم، أو جنسي بالإجبار على العلاقة الحميمية وممارستها بطريقة تخلو من الانسانية، أو اقتصادي بحرمانها من أي استقلالية اقتصادية وسلبها إمكانيةالوصول إلى المال دون إذنه، أو أخيراً تعنيف عاطفي بتجاهلها وإغفال حاجاتها العاطفية كزوجة وشريكة، إضافةً لمنعها من التعليم أو العمل أو التواصل مع المجتمع.
وأسوأ ما في هذا العنف برأيي الخاص هو إقناعها أنها تستحق هذه المعاملة لسببٍ ما، وكونه رب الأسرة فهو مسؤول عن تقويمها كما رباه المجتمع. كما يميل يستند كثيرون إلى بضع آيات قرآنية وفتاوى دينية تدعم موقفه كذكر.
لهذا توجهت إلى الشيخ الدكتور خالد حنفي، رئيس لجنة الفتوى في ألمانيا الذي أكد أن الضرب في الإسلام حرام من القرآن ومن السنة القولية والعملية.
وبالحديث مع عدة اختصاصيين هم: منى العبد-الاستشارة النفسية في برلين، عمر حبيب-فريق “الجوال للدعم النفسي للاجئين”، خلود عصفور-مرشدة اجتماعية، أكدوا جميعاً وجود حالات كثيرة لسيدات في ألمانيا يتعرضن للضرب والشتم في الأماكن العامة أو على الأقل أمام أطفالهن!
خراب البيوت.. مسؤولية المرأة؟
ويعمد الرجل في حالاتٍ عدة إلى عزل المرأة كلياً عن المجتمع وأحياناً بشكل تدريجي بحجة حماية زوجته أو منعها من الفساد! مما يمنعها من التعرف على أدنى حقوقها، وتظل تعيش في قوقعة العادات والتقاليد التي تقول بأحقية الرجل وضرورة رضاه لتدخل الجنة!
كما يتربى لديها خوف من المحيط الخارجي وتشعر أنها غير قادرة على مواجهته وحدها، فتتحمل كل شيء خوفاً من المجهول أو خوفاً على أطفالها من “الضياع” متناسية ما قد تسببه هذه الأجواء على أطفالها من خوف ومشاكل نفسية تبقى عالقة معهم طوال حياتهم.
من الملفت والمؤسف جداً وجود حالات من الممارسات الشاذة التي يتم فيها إجبار الزوجة إما على الدعارة أو ممارسة الجنس مع الأصدقاء بعد تناول المخدرات أو الكحول وذلك بعد ضربها وإهانتها.
وما يزيد الطين بلة هو دعوات بعض النساء إلى ضرورة تحمل هذا الوضع على أمل تغير هذا الرجل يوماً ما، واعتماد مقولة ” لا تخربي بيتك” أو “عصّب وضربك شو صار يعني” علماً أن المنزل الذي يعاني أفراده من العنف هو بيت مهدّم من الأساس غير صالح للعيش السوي!
وقد نجد نساء كالسيدة المذكورة في أول المقال يجدن جمالاً ورجولية في التصرفات العنيفة لبعض الرجال أو يشجعن عليها في عديد من المرات! و لربما كنّ أنفسهن قد شهدن أمهاتهنّ يتعرضن للعنف ومن ثم تعود الأمور لمجاريها فيعتقدن أن هذا هو النموذج الطبيعي للحياة!
العنف المنزلي ظاهرة عالمية
من الجدير بالذكر أن العنف المنزلي هو ظاهرة منتشرة ليس فقط بين الشعوب شرق أوسطية أو بين جالياتها في الدول الغربية، بل في كل العالم ولكن الأسباب تتنوع، وأشكال العنف أيضاً وتصنيفاته وكذلك استنكار المجتمع له تتفاوت، ففي يحين يستنكر المجتمع الألماني مثلاً هذه التصرفات ويعيبها بل ويجرمها، نجد في مجتمعاتنا من يبررها ويطالب بتحملها.
ضمن احصائيات عام 2017، تعرضت 113.965 من النساء في ألمانيا إلى عنف من الشريك، منها 364 حالة أدت إلى الموت، 69,000 حالة عنف جسدي خفيف، ما يفوق 16,700 حالة تهديد، حوالي 11,800 حالة عنف جسدي خطير، وحوالي 6,900 حالة تتراوح بين إجبار على الدعارة أو منع حرية حركة وغيرها، من بين كل أربع نساء شملن بالاستطلاع واحدة تعرضت ولو مرة للعنف المنزلي (الإحصائيات حسب الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة والمسنين والشباب والنساء – Bundesministerium für Familie, Senioren, Frauen und Jugend).
أنتِ معنفة؟ إلى أين تلجأين؟؟
أما فيما يخص ما على المرأة أن تقوم به في حال تعرضت للعنف، فقد قالت كل من السيدة Franziska Milata من Eulalia Eigensinn e.V، والسيدة Sabine Knepel من منظمة Hinbun، والتي تعمل على تقوية ثقة المرأة بنفسها وتثقيفها بهدف صحة وسلامة العائلة الجسدية والنفسية، أن المعنفة يمكنها التوجه للجمعيات ومراكز الاستشارة النفسية أو الشرطة، ويمكنها الذهاب إلى منزل النساء المعنفات، وحلول أخرى عديدة.
وكل هذا لا يعني بالضرورة انفصالها عن زوجها، فقد يكون الزوج بحاجة إلى إعادة تأهيل ومساعدة ليستطيع التخلص من العنف كطريقة للتعبير عن ما يريد أو عن إحباطه.
كما نفت كل منهما الشائعة التي تقول بأن مؤسسة الشباب “اليوغند أمت” ستأخذ الأطفال في حال أبلغت المرأة عن العنف المنزلي الذي تتعرض له، بل على العكس تماماً؛ إذا تم التأكد من تعرض المرأة و/أو الاطفال للعنف ولم يحرك أحد ساكناً، هنا يتم سحب الأطفال لضمان سلامتهم. وتتعهد الدولة الألمانية بمصاريف الأم والأطفال.
وطبعاً كان ولا يزال الهم الأول هو إنشاء أسر سليمة صحية لتكون لبنة لمجتمع صحي منتج، وليس الهدف من هذه الاستطلاعات أو النصائح هدم الأسر، إذ كيف نهدم ما هو أصلاً مهدّم، وكيف نخلط الأمور بحيث يكون الحديث عن أبسط حقوق الإنسان بأن يعيش بكرامة هو عملية تخريب بيوت.
مواد أخرى للإعلامية رشا الخضراء:
الصداقة بين الجنسين.. هل تقبل بصديق لشريكتك؟