طارق عزيزة. كاتب سوري من أسرة أبواب
إنه أول (فالانتاين) في “عصر الكورونا“، بما رافقه من تباعد اجتماعي وحجر وإغلاق للمتاجر والأسواق. وهي فرصة لتذكّر ما كان عليه “عيد الحب”، إنما من زاوية مختلفة.
فالاحتفال بالحبّ في زمن يكاد عنوانه أن يكون “اللّاحبّ”، أمرٌ يبعثُ على الفرح والتفاؤل، ويبثّ شيئاً من الأمل في إمكانيّة تطويق الكراهيّة ودعاتها. ووجود يومٍ عالميّ للحب، عابرٍ للحدود والثقافات يؤكّد أهمّية مشاعر الحب في حياة الإنسان، إن لم يكن في أنسنته. لكن الحقيقة التي أثبتها الواقع عاماً بعد عام، تقول إنّ الموضوع برمّته تحوّل إلى منطق الربح والاستهلاك من قبل أرباب التجارة والمال، فالوردة أصبحت سلعةً تجاريّة، والعشّاقُ مجرّد مستهلكين، ولا يعدو عيد الحب أن يكون مهرجاناً للتسوّق! ومنذ أن أصبح للعشّاق عيدٌ سنويّ مُكرّس، في الرابع عشر من شهر شباط (فبراير)، أضيف موسمٌ تجاريّ ربحيّ سنويّ على أجندات التجار، يستدعي التحضير الجيّد من أجل استغلال المناسبة وإنتاج وترويج “متطلّباتها”، فالاعتراف بهذا “العيد” يكاد أن يكون رسميّاً، حيث ترصد وسائل الإعلام مظاهره، ويحتفل به الناس في مختلف أنحاء العالم.
اقرأ/ي أيضاً: الحب دون التزام.. هل أصبحت كلمة «أحبك» تعني «أريد أن أكون معك اليوم»؟
سلع “الحبّ”
لتوسيع دائرة “المستهلكين” جرى تحوير الاسم من “عيد العشاق”، وأساسه هو يوم القدّيس فالنتاين شفيع العشّاق، إلى عيد للحب على إطلاقه، أي للأمّهات والآباء والأخوة نصيب فيه. المطاعم والصالات (قبل الكورونا) كانت تتنافس في الإعلان عن حفلاتها وبرامجها الفنّية المميّزة الخاصة بـ “سهرة عبد الحب مع أشهى المأكولات والأجواء العائلية”، والأسواق تتلوّن بمختلف سلع “الحبّ” وبضائعه ذات اللون الأحمر، حيث تتنوّع المعروضات الحمراء بدءاً من “القلوب” متفاوتة الأحجام والاستخدامات، مروراً بالألبسة على اختلاف أنواعها، وصولاً إلى الهدايا التذكارية والشموع والألعاب، والوسائد، دون نسيان الأيقونة الأبدية للحبّ: الوردة الحمراء.
اقرأ/ي أيضاً: الحب من طرف واحد.. الأمر معقد فما الطريق إلى التعافي؟
العشاق أو “الزبائن”
طقوس العيد لم تكن تكتمل دون وردة حمراء، فمن فضائله أنه أعاد شيئاً من الاعتبار إلى الورد الذي غالباً ما يكون على مدار العام منسيّاً أو خارج دائرة اهتمام معظم “العشّاق الفالنتاينيّين”. لكنّ موقع “الوردة” نفسها فيه يجسّد مفارقة غريبة من تلك التي خلقها منطق التسليع والاستغلال التجاري للحبّ في عيده، لأنها في الوقت الذي تستعيد فيه اعتباراً مفقوداً، تفقد كثيراً من المعنى والخصوصيّة التي كانت سبباً في جعلها رمزاً تعبيرياً وجماليّاً بين العاشقين. رمزيّتها وجماليّتها تسلّعت، وباتت الوردة الحمراء زينة لا أكثر.
وجودها في لقاءِ الحبيبين أو على “طاولة السهرة” أصبح جزءًا من “البريستيج” والديكور الخاص بالمناسبة، لكنّه لا يغني إطلاقاً عن “الهديّة” الرئيسية، التي يشير ارتفاع ثمنها إلى حجم ومقدار الحبّ الذي يكنّه أحد العاشقَين للآخر! حتى إذا أراد عاشق رومانسي مفلس أن يكتفي بالوردة الحمراء، سيكون ضحية استغلال بائعي الورود للعشاق “الزبائن”، حيث يصل سعر الوردة الحمراء الواحدة في “بورصة” يوم العيد إلى أضعاف مضاعفة لسعرها المعتاد.
على أي حال، لن أعتذر يا حبيبتي لأنني لم أشتر وروداً حمراء، فقد مضى العيد قبل أن أتمكّن من العثور في الحدائق العامّة على وردةٍ تليق بك. وردة لا تكترثُ لأسعار السوق ولا تبالي بالعبارة الغبيّة المكتوبة على لوح حديديّ كئيب: “الرجاء عدم قطف الأزهار”. كنت سأقطفها لأقدّمها لكِ مع زجاجة النبيذ الأحمر والقصيدة التي لم تكتمل: يا عشّاق العالم.. لا تشتروا وروداً حمراء.