عبد الرزاق حمدون*
عندما يُطرح مصطلح العنصرية في أي مجلس حواري عربي، تكون الصورة مرسومة كما وضعها الإعلام هناك؛ دول أوروبية تمارس سياسة العنصرية على طالبي اللجوء فيها بناءً على دينٍ معيّن أو عرقٍ ما، بالرغم من تفشي العنصرية في العديد من الدول العربية والآسيوية.
في أوروبا تعتبر فرنسا أحد أكثر الدول تعرّضاً للعمليات الإرهابية، التي تبنّتها بعض المجموعات والتي روّج لها الإعلام الأوروبي على أنها إسلامية. سياسة اتبعتها السلطة الرابعة في المجتمع الغربي، وبدأت تكبر لتصل إلى مجتمعات صغيرة داخل أحياء في مدينة أو حتى في المبنى الواحد.
بقيت هذه الظاهرة تعكر صفو بلدٍ متقدّم في مكانة فرنسا لسنين طويلة، لكن الآونة الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً لهذه الظاهرة خاصّة في العام 2017 حيث سجّلت حالات العنصرية أدنى مستوياتها برصيد 950 واقعة عنصرية، ما يمثل تراجعاً بمقدار 16% مقارنةً بما كان عليه الوضع في 2016.
من شاهد “بول بوغبا” نجم منتخب فرنسا الفائز بلقب كأس العالم الأخيرة، وهو يخاطب زملاؤه في غرفة تبديل الملابس قبل الدخول للمباراة النهائية أمام كرواتيا، يعلم تماماً أن في كلامه الكثير من المعاني التي تدل على أن هذا اللقب سيؤدي إلى نهاية معاناة العنصرية التي يتلقّاها المهاجرون في فرنسا.
وبما أننا تكلّمنا عن هذه الفئة من المجتمع الفرنسي فهي الآن تشمل معظم لاعبي المنتخب الوطني، فلو بحثنا في سجلّات اللاعبين الخاصّة سنرى بأن كل من بوغبا وكانتي ومبابي وماتويدي وميندي وفاران وليمار وديمبيلي وآخرون، هم من أصول أفريقية يتمتّعون بالجنسية الفرنسية.
عقب رفع الديوك الفرنسية لكأس العالم في روسيا، كانت أول العناوين التي صدرت عن الصحف والمواقع العالمية “منتخب أفريقي يتوّج فرنسا بلقبها العالمي الثاني”، ليعود الإعلام ويستغل الحدث في لعبته المتمثلة بتأجيج مصطلح العنصرية. لكن هذه المرّة لربما يراها البعض من الناحية الإيجابية، فبهذا الجيل الفرنسي المجنّس استطاعت البلد من تصدّر المشهد الكروي العالمي لمدّة 4 سنوات قادمة، وعمّت الأفراح أرجاء باريس وضواحيها وباقي المدن الفرنسية التي ذاقت الكثير من الأعمال الإرهابية في السنوات الماضية.
مع عودة المنتخب إلى البلاد والاحتفال مع الجماهير في شوارع باريس الشهيرة، كان أبطال المشهد هم أصحاب البشرة الداكنة الذين عاشوا مرارة الحياة، لينهوا بأقدامهم معاناة العنصرية وتتحد فرنسا البيضاء والسمراء أمام قصر الإليزيه الرئاسي ويثبت لاعبو منتخب فرنسا أن كرة القدم أكثر من مجرّد لعبة.
*عبد الرزاق حمدون – صحفي رياضي مقيم في ألمانيا