د. هاني حرب |باحث في علم المناعة والجينات في جامعة هارفرد – بوسطن – الولايات المتحدة الأمريكية
المهندس فواز دباغية|باحث في علم تكنولوجيا المعلومات الحيوية في جامعة سارلاند – ألمانيا
في بداية عام 2012 بدأت الجمعيات الأهلية بالانتشار بشكل كبير بسبب الأوضاع التي تجري في الشرق الأوسط وكان الهم الأول والأخير لهؤلاء الذين يقومون بتسجيل جمعياتهم الحصول على التبرعات لتقديم المساعدات على الأرض مباشرة في تركيا، سوريا، العراق، الأردن ولبنان وغيرها من الدول.
في تلك الفترة لم يفكر هؤلاء أن هذه الطريقة بالعمل التطوعي ستنتشر مع وصول الكميات الكبيرة من القادمين الجدد من سوريا والعراق لتشمل العديد من المجالات المختلفة لتقديم المساعدات لهؤلاء الواصلين الجدد، أو التعريف بشيء من المعلومات أو تقديم شيء من الخدمات. للأسف بقيت هيكلية الجمعيات تحمل شيئًا من السرية وبدأت بعض الشائعات تتناقل الكثير من المعلومات المغلوطة بأن بعض هذه الجمعيات -كما في بلادنا- همها وهمّ أعضاء إدارتها سرقة المال العام المقدم من الناس للجمعية. آخرون هاجموا الكثير منها لأن منظميها قاموا بالمبادرة. قاموا بعمل إيجابي وعمل حقيقي بدلا من النواح والعويل والتسويف.
بالفعل حيث يقع جزء من المشكلة الحقيقية على منظمي ومنشئي هذه الجمعيات حيث لم يأخذوا بعين الاعتبار أن هؤلاء الواصلين الجدد أو غيرهم لم يعتادوا العمل المؤسساتي والعمل التطوعي المنظم الحقيقي ومن هنا أتت فكرة هذه المقالة البسيطة لتبسط مبادئ الجمعيات الألمانية وطرق إنشائها والقوانين الناظمة لها.
نظمت الحكومة والبرلمان الألماني عمل الجمعيات الأهلية غير الربحية بشكل بسيط ومريح عبر قانون تم إصداره عام 1947 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. تم تعديل هذا القانون وإضافة العديد من القوانين والأنظمة الراعية له خلال السنوات التي تلتها حتى وصلنا كما هو في كتاب القانون المدني “Bürgerliches Gesetzbuch” حسب القانون رقم 55 من كتاب القانون المدني. تم تعريف الجمعية المدنية بأنها تجمع عدد من الأشخاص يزيد عن ثلاثة أشخاص لأداء نشاط مدني معين لا يخالف القانون الألماني والدستور الألماني بشكل حر كامل وبشكل قانوني ومعلن عنه. يمكن لأي شخص تسجيل جمعية أهلية أو إنشاؤها ولكن للحصول على التبرعات والأموال فإن هنالك قوانين صارمة جدا.
لتسجيل جمعية ما ضمن المحاكم الألمانية لتصبح جسدا قانونيا موحدا ممثلا لدى الدوائر الألمانية يتطلب الأمر 7 أشخاص على الأقل. إضافة إلى ذلك يجب على هؤلاء الأشخاص كتابة دستور ينظم الأمور الداخلية لهذه الجمعية من أهداف، موارد، مصاريف، إدارة، طرق الانتخابات وغيرها من الأمور التي يرغب هؤلاء المؤسسون من إخالها إلى الجمعية وتقديم هذا الدستور بشكل علني إلى دائرة الضرائب الألمانية للحصول على شهادة الإعفاء الضريبي. في حال لم تقتنع دائرة الضرائب بدستور الجمعية فإنها تمتنع عن تقديم ورقة الإعفاء الضريبي وعليه لا يمكن تسجيل الجمعية ضمن المحاكم الألمانية على الإطلاق. إن كفاءة الدستور وقوة النظام الداخلي لأي جمعية ترغب بالنمو والتطور هو الذي يعطي دائرة الضريبة أولا ومن بعدها المحكمة الألمانية القناعة بأهلية هؤلاء الأشخاص على تسجيل جمعية أهلية قادرة على تمثيل نفسها كجسم قانوني مستقل أما الدوائر الألمانية. فمثلا لا يمكن أبدا تسجيل جمعية معينة يبقى الرئيس فيها رئيسا مدى الحياة فهذا يخالف الدستور والقانون الأساسي الألماني وعليه لا يمكن قبول ذلك ضمن المحكمة الألمانية.
لا يقف الأمر عند هذا بل يجبر مجلس إدارة أي جمعية على تقديم كشوفات ضريبية مالية سنوية مدققة ماليا عبر مدقق للحسابات معترف به من سلطات الضريبة الألمانية حتى يتم إعفاء هذه الجمعية من الضرائب. لا يمكن أبدا بأي حال من الأحوال التلاعب المالي ضمن هذه الجمعيات فالقانون الألماني بني على أساس الشفافية في العمل.
كل جمعية أهلية في ألمانيا مجبورة على عمل اجتماع سنوي شامل للأعضاء الفعالين فيها، حيث يتم مناقشة دستور الجمعية وعملها ويتم التصويت على أي تغيير في البنية الأساسية للجمعية وللأعضاء الفعالين الحق في وضع الاقتراحات والتصويت عليها ويتم التغيير حسب رأي الأكثرية، ويسمى هاد الاجتماع Mitgliederversammlung وهو المحرك الأساسي للجمعية وأي تغيير فيها. علينا أيضا ألا نهمل ذكر أن مجلس إدارة أي جمعية لا يحق له بأي شكل من الأشكال الحصول على رواتب أو تبرعات أو أي دفعات مالية من الجمعية نفسها. من يرغب بالعمل تطوعا عليه فعلا العمل تطوعا في ألمانيا.
يضاف إلى ما سبق أن أي تغيير أو تعديل لدستور الجمعيات يجب تسجيله أصولا ضمن المحكمة الألمانية ليعتبر ساريا، ولا يمكن لأي شخص ضمن مجلس الإدارة تعديل الدستور وتغييره بالشكل الذي يراه لصالحه. إن عمل الجمعيات الألمانية ورغم ما فيه من عمل تطوعي ومساعدة للآخرين ومحاولة للتطور والتقدم فإنه يحمل ضمن طياته الكثير من التعب والإرهاق والتوتر حيث أن مجلس الإدارة أولا والأعضاء من بعدهم مسؤولون بشكل أساسي على سمعة الجمعية وقدرتها على التطور والازدهار. بالطبع هذه ليست دعوة للابتعاد عن العمل التطوعي المنظم بل هي توضيح بسيط لموازييك العمل التطوعي ضمن دولة كألمانيا ودعوة لكل مشكك للعمل الأهلي بالانضمام لإحدى الجمعيات أو العديد منها لخدمة مجتمعه فالخدمة الأهلية تعتبر من أرقى الخدمات الموجودة.
مصادر المعلومات
https://www.gesetze-im-internet.de/bgb/