د. م. أسامة جرّوس
مع اقتراب فصل الشتاء وانحسار ساعات النهار واختباء الشمس معظم الوقت خلف سماء ألمانيا الغائمة، ينتاب الكثيرين حنين غريب لشمس الشرق الأوسط أو لشمس المتوسط.
في الحقيقة لا تقتصر الكآبة الشتوية هذه على القادمين من حوض المتوسط بل تشمل الجميع بدرجات متفاوتة وتسمى أيضا بـ Winter Blues.
قد يكون للكآبة الشتوية سببٌ بيولوجيٌ مرتبطٌ مباشرة بالشمس. بالتحديد بفيتامين (د) وهو أمر مثير جدا. لكن الحديث عن فيتامين د يجب أن يبدأ من تعريفه وذكر أهميته.
فيتامين (د) هرمون ينتجه الجسم عند التعرض لأشعة الشمس، وبالتحديد الأشعة فوق البنفسجية، ويلعب دورًا مهما جدًا في توازن الكالسيوم في الجسم، وفي عملية الاستقلاب. يسبب نقصه أمراضًا عديدة أهمها لين العظام والذي يسمى الكساح لدى الأطفال [1].
صُنّفَ “فيتامين د” مع بقية الفيتامينات خطأ، للاعتقاد بأن الجسم غير قادر على إنتاجه وأن مصدره الوحيد هو الغذاء.
فخلال البحث في سبب إصابة الأطفال بالكساح وسبل الوقاية منه، لاحظ العلماء في بداية القرن العشرين أن تناول زيت السمك يقي من الإصابة بالمرض، ثم وبعد سنوات من البحث استطاع العالم McCollum عام 1922، تحديد ذلك المركب الموجود في زيت السمك، الذي يقي من الإصابة وأطلق عليه اسم فيتامين (د)، خلال نفس الفترة لاحظ علماء آخرون، أن مرض الكساح فصليّ تظهر أعراضه في الشتاء، وأن التعرض لأشعة الشمس بشكل كاف يقي من الإصابة به.
وبعد سنوات إضافية من البحث شارك فيه علماء في عدد من جامعات أوروبا، ساهم فيه علماء أهمهم فينداوس Windaus، ستينبوك Steenbock، هيس Hess وروزنهايم Rosenheim، أصبح واضحًا عام 1937، أن الجلد يقوم بإنتاج فيتامين (د) عند تعرضه لأشعة الشمس وبالتحديد للطّيف فوق البنفسجي من أشعة الشمس [2].
تختلف كمية فيتامين (د) التي ينتجها الجلد عند التعرض للشمس حسب لون البشرة أي حسب نسبة الميلانين في الجلد. فكلما كان لون البشرة داكنا، كلما قلّ إنتاجها من الفيتامين. وهذا قد يفسّر تدرج لون البشرة من الداكن إلى الفاتح، للشعوب القديمة حسب انتشارها الجغرافي. فلون البشرة الفاتح للشعوب القديمة في شمال أوروبا يعطيهم أفضلية في إنتاج فيتامين (د) على ذوي البشرة الداكنة في نفس المنطقة.
للحصول على الجرعة اليومية يكفي تعريض الوجه، الذراعين والساقين لأشعة الشمس غير الحادة من 5 دقائق إلى 30 دقيقة مرتين في الأسبوع لذوي البشرة الفاتحة، في حين يجب على ذوي البشرة الداكنة زيادة مرات التعرض للشمس. كما يجب زيادتها إن كانت أشعة الشمس ضعيفة كما هو الحال في شمال أوروبا في الشتاء مثلا [3,4]
لكن حتى ذلك قد لا يكون متاحًا أو ممكنًا للجميع.
لذلك لجأت الكثير الدول إلى إلزام الشركات المصنعة إضافة فيتامين (د) للحليب، وذلك لضمان حصول الأطفال على الجرعة الدنيا من الفيتامين، ويسمى الحليب عندها “حليب مدعّم بفيتامين (د)”، أدى هذا الإجراء إلى تقليص حالات الإصابة بالكساح بشكل ملموس في الدول التي طبق الاجراء فيها مثل سوريا، والولايات المتحدة الأمريكية. في حين لجأت دول أخرى إلى توجيه النصح والتوعية للأهالي حول فيتامين (د) وإدخال ساعات للعب في الشمس في المدارس. ومن الجدير بالذكر هنا أن الحليب العادي في ألمانيا غير مدعم بفيتامين (د).
تختلف الجرعة التي تنصح بها المؤسسات الصحية والغذائية. فمثلا، ينصح الاتحاد الأوروبي بـ 200 IU يوميا [5]، في حين تنصح مؤسسة التغذية الألمانية منذ 2016 بجرعة 800 IU يوميا [6]. أيضا ينصح معهد الولايات المتحدة للطب بـ 800 IU يوميا [7] أما وزارة الصحة الكندية فتنصح بـ 600 IU للأعمار من 1-70 سنة، ثم 800 IU لمن هم فوق الـ 70 عاما [8].
يجب التنويه إلى عدم الإفراط في تناول جرعات فيتامين (د) والالتزام بحدود الجرعات التي ينصح بها. والحدود القصوى التي يجب تجنبها وهي تقريبا وبشكل محافظ في حدود 1000 IU للأطفال الرضع حتى سنة و2000 IU للبقية
ويمكن ضمان الحصول على هذه الجرعات إما عبر التعرض الدوري لأشعة الشمس، أو عبر تناول الأطعمة الغنية بفيتامين د مثل سمك الرنجة Herring، السردين، السلمون، الأفوكادو، الفطور، جبنة الغورغونزولا… الخ. أو عبر تناول حبوب الفيتامين أو المواد الغذائية المدعمة.
الحصول على الجرعات اليومية من فيتامين (د) ضروري ليس للأطفال فحسب، ولكن أيضا للبالغين. يؤدي نقص الفيتامين إلى الشعور بالوهن والتعب وذلك لدوره في الاستقلاب وتوازن الكالسيوم في الجسم. طبعا بالإضافة لمرض لين العظام في الحالات الشديدة، وأمراض أخرى قد يكون الاكتئاب الشتوي أحدها.
تشير الدراسات الطبية في الدول الشمالية، مثل ألمانيا، السويد، بريطانيا وكندا إلى أن نسبة المعانين من نقص فيتامين (د) عالية جدا بين الوافدين من الدول الجنوبية مثل دول أفريقيا والشرق الأوسط والهند وباكستان وتشير بشكل عام إلى أن 80% من الوافدات و60% من الوافدين يعانون من نقص فيتامين (د) [9، 10، 11]. لذلك نتمنى من القراء الكرام استشارة الطبيب فيما يتعلق بفيتامين (د) والتأكد من حصولهم على الجرعة المناسبة لهم ولأطفالهم صيفا وشتاء. كما نرجو تنبيه الأصدقاء والأقارب حول هذا الموضوع بما فيه الخير والمنفعة على الجميع.
المراجع
1- Holick, Michael F. “High prevalence of vitamin D inadequacy and implications for health.” Mayo Clinic Proceedings. Vol. 81. No. 3. Elsevier, 2006.
2- Wolf, George. “The discovery of vitamin D: the contribution of Adolf Windaus.” The Journal of nutrition 134.6 (2004): 1299-1302.
3- Holick, Michael F. “Vitamin D deficiency.” New England Journal of Medicine (2007): 266-281.
4- Holick, Michael F. “High prevalence of vitamin D inadequacy and implications for health.” Mayo Clinic Proceedings. Vol. 81. No. 3. Elsevier, 2006.
5- “Vitamins: what they do and where to find them.” The European Food Information Council (EUFIC) : Your Guide to Food Safety & Quality and Health & Nutrition for a Balanced Diet and Healthy Lifestyle. N.p. Jun 2006, Web 10 Nov 2016
6- “Vitamin D (Calciferole).” Deutsche Gesellschaft für Ernährung e.V. N.p. Jan 2012, Web 10 Nov 2016.
7- Ross, A. Catharine, et al., eds. Dietary reference intakes for calcium and vitamin D. National Academies Press, 2011.
8- “Vitamin D and Calcium: Updated Dietary Reference Intakes.” Health Canada. N.p. Mar 2012, Web 10 Nov 2016.
9- Martin, Catherine A., Usha Gowda, and Andre MN Renzaho. “The prevalence of vitamin D deficiency among dark-skinned populations according to their stage of migration and region of birth: A meta-analysis.” Nutrition 32.1 (2016): 21-32.
10- Surat-Dagtekin, Gülcin. Krankheit und Kranksein des türkischen Migranten. Diss. Köln, Univ., Diss., 2011, 2011.
11- Eggemoen, Åse R., et al. “Vitamin D status in recently arrived immigrants from Africa and Asia: a cross-sectional study from Norway of children, adolescents and adults.” BMJ open 3.10 (2013): e003293.