د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
“عليك أن تكون منفتحاً على التجارب الجديدة ومستعداً دائمًا لتجاوز الخطوط الحمر في الممارسات الجنسية حتى وإن لم تكن ترغب فيها أو تفضلها، وإلا فإنك شريك/ شريكة ممل وغير مثير/مثيرة جنسياً”. مقولة تتضمنها الأفلام الجنسية الإباحية تجعل مشاهديها ومدمنيها يعتقدون أن مشاهدها تحدث في كل بيت وكل غرفة نوم، متناسين أن هذه المواد الإباحية هي صناعة وتجارة وجدت لتحقيق الأرباح بالدرجة الأولى عبر تعويمها وتسويقها وربط الناس بمنتوجاتها.
ما الذي يجعل الإباحية -غالباً- مسببة للإدمان
تُعد مشاهدة المواد الإباحية لكل من الذكور والنساء أمرًا شائعًا إلى حد كبير، بدأ يتجاوز الشرائح العمرية أو الثقافية مع شيوع الإنترنت وخاصة في الأجهزة المحمولة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ويثير الكثير من التساؤلات عند الجميع وخاصة الشركاء والأهالي هو: هل كل من يشاهد الإباحية الجنسية على النت مُعرض بالضرورة لخطر الإدمان عليها؟
والجواب طبعاً هو لا، والأمر ذاته ينسحب على كل من يشرب الكحول أو يتعاطى المنشطات والمهدئات بشكل غير قسري، فهو ليس شخصاً مدمنًا بشكل آلي بالرغم من أنه قد يصبح مدمناً. للإدمان آلياته ووظائفه ويعود إلى تراكم العديد من العوامل ومنها الميول الفردية. وطالما الأمر على هذه الشاكلة فما الذي يجعل الإباحية في أغلب الأحيان مسببة للإدمان؟
تم تصميم الإباحية بالدرجة الأولى بهدف إغراق المشاعر ومصدر المتعة من مشاهدة الإباحية هو النشوة الجنسية. من أهم العوامل السيكولوجية المُيسرة للإدمان هي الكبت والخجل وتدني تقييم واحترام الذات، وهو ما يجعل المواد الإباحية لهؤلاء الأشخاص علاجًا سهلاً ومتوفراً ورخيصاً للتغلب على الشعور بالوحدة وإشباع الحاجات النفسية والجنسية. ضعف أو انعدام الثقة بالنفس وما يوازيها من صعوبة أو فقد القدرة على إقامة علاقات شفافة مع الآخرين، وما يرافق ذلك من شعور بالدونية والإقصاء يخلق خطر الإدمان. كما أن طبيعة وروتينية الحياة الزوجية والاضطرابات الجنسية وانعكاساتها النفسية على العلاقة بين الشريكين قد تدفع للتعويض من خلال مشاهدة المواد الإباحية. الجوع العاطفي هو أحد أهم العوامل بتشكيل الاستعداد للإدمان.
اقرأ/ي أيضاً: أسرار وأنواع النشوة الجنسية.. من سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات
سيكولوجيا مستخدمي الإباحية
كيف ندرك أن استخدام الإباحية بدأ يصبح إدمانًا ؟ يمكن تلمس طريق الإدمان عند شخص ما بحال الاعتماد على مشاهدة الأفلام والصور أو قراءة النصوص الجنسية، لتحقيق الإشباع الجنسي والمتعة الجنسية كبديل عن العلاقات العاطفية والجنسية مع الشريك، ومن الأعراض المقلقة أيضًا مشاهدة المواد الإباحية بشكل متواتر وضغط الأفكار الهوَسية حول الطيف الجنسي وإضفاء مسحته على المشاهدات الحياتية للأفراد، بحيث يجنح الخيال بالشخص لاختزال السلوكيات والتعابير التي يصادفها من الآخرين ويتصورهم في مشاهد جنسية من الأفلام التي شاهدها. يبدأ الشخص العيش في عالمين: عالم واقعي والآخر متخيل جنسياً في نفس الوقت.
ومن المؤشرات على السلوك الإدماني، زيادة وتنوع الجرعات وخفض عتبة التحكم مما يجعل استخدام الإباحية قهريّ السمة، بحيث لا يفكر المدمنون إلا في إيجاد فرصة ولحظة للبحث عن محتوى إباحي على حساب العمل أو المهام الحياتية الأخرى. ما يحدث هو أن أفكار المدمن على الإباحية تبدأ تدور حول الجنس بالدرجة الأولى، بينما تفقد بقية الأمور أهميتها ومكانتها بالنسبة له وهو ما نسميه بالتنظيم القهري للوقت والمشاعر.
اقرأ/ي أيضاً: سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 16: لهذه الأسباب يلجأ الذكور إلى المعالج الجنسي
المواد الإباحية كابوس الأهالي
من مصادر قلق الأهالي والمختصين النفسيين والجنسيين؛ هو خطورة المواد الإباحية على المراهقات والمراهقين وجعلهم أكثر عرضة للإدمان، بالنظر إلى خصوصية النمو النفسي والبدني عندهم.
فالبلوغ كما نعرف هو عاصفة من الهرمونات تضرب المراهقين بقوة، كما أن الفضول الكبير والتعرف على الجسم واختبار الاحتياجات الجنسية هي من أهم سمات البلوغ أيضاً، إضافةً لما للتجارب الجنسية الأولى من أهمية قصوى على تشكيل جنسانية المراهقة أو المراهق، والتي تترك أثراً بالغاً في “ضبط” نهجنا تجاه الجنس أو إفساده بشكل سيء للغاية.
المواد الإباحية جذابة للمراهقين وشائعة في ثقافتهم، وتأثير مشاهدة الأفلام الإباحية يعود بالدرجة الأولى إلى التربية الجنسية والتثقيف الجنسي في فترة الطفولة. فمن الممكن بحال أن المراهقة أو المراهق المثقف جنسياً أن يكون لهذا التأثير بعداً صحياً بخصوص الإثارة الجنسية وتنوع السلوكيات الجنسية والوضعيات والميول والتفضيلات الخ.
المراهقون ووهم “الجنس المثالي”
وبالمقابل فغياب التربية والتثقيف الجنسي، يجعل المراهق يتعرف على جنسانيته ويُشكلها ويؤسس تصوراته وحياته الجنسية بالاستناد على مضامين الأفلام الإباحية التي يشاهدها. وهنا مصدر الخطر بارتباط الحميمية بالإباحية وبالصورة الجنسية النمطية، والوظيفية الوهمية المشوهة للممارسة الجنسية في العلاقات الحقيقية، بمعنى أنه يبدأ بإضفاء تلك الأنماط والتصورات والمعتقدات على نفسه وشريكه – شريكته في المستقبل.
فالمواد الإباحية تختصر العلاقة الحميمية إلى جسدية وتختزل الذكورة بالفحولة وبطول القضيب وقدرة الذكر على إطالة مدة الممارسة والتفنن بوضعياتها، وتختزل الأنثى بفتنة جسدها وصفاته وبشبقها وانصياعها لرغبات الشريك. ففي الأفلام الإباحية إضافةً إلى تعويم الممارسة الجنسية بدون حماية فإننا لا نجد مكاناً للتواصل أو الألفة، كما أنها لا تولي الحنية أو الحب دوراً في التقارب الجنسي.