ياسمين عيّود. باحثة في مجال التربية وعلم الاجتماع
خلال عملي مع الأمهات والآباء كثيراً ما تٌرد أسئلة بخصوص طبيعة تعلم الأطفال للغات، وماهي أفضل الطرق للتعامل مع الأمر؟ لذلك وددت أن أبدأ العام الجديد بسلسلة تربوية حول الأطفال ثنائيي اللغة أو متعددي اللغات ليستفيد أكبر عدد ممكن، الأسئلة والإجابات أدناه عبارة مختصر لخبرات وقراءات لأبحاث ومقالات متنوعة لخبراء أيضاً في هذا المجال وبعدة لغات، أتمنى لكم قراءة مفيدة وممتعة.
ما ذا يعني أنّ الطفل ثنائي اللغة؟
هناك العديد من الأسباب لندعو الطفل ثنائي اللغة لكن السّببين الأكثر شيوعاً هما، عندما يولد هذا الطفل لوالدين:
- يتكلمان لغات مختلفة (على سبيل المثال: امرأة سورية ورجل ألماني).
- يتكلمان نفس اللغة، لكنهما يعيشان في مجتمع يتحدث فيه معظم الناس لغة جديدة (على سبيل المثال: زوجان سوريان يعيشان في ألمانيا).
في الحالة الأولى: قد ترغب الأم والأب في أن يكون كل منهما قادراً على استخدام لغته الأم عند التحدث مع الأطفال وبشكل طبيعي يكون هذا هو الوضع للمنزل ثنائي اللغة.
أما في الحالة الثانية: قد يرغب الوالدين في أن يكونا قادرين على استخدام لغتهم الأم في المنزل على الرغم من أن أطفالهم بحاجة أيضاّ إلى تعلم لغة البلد الجديد للتعامل مع الدائرة المحيطة خارج المنزل.
ألا يتشوش الأطفال عندما يسمعون لغتين من حولهم؟
الجواب القصير هو لا. الأطفال حساسون بشكل لا يصدق للطرائق المختلفة التي يتحدث بها الناس. حتى عندما يسمعون لغة واحدة فقط، فإنهم يتعلمون بسرعة كبيرة حول الاختلافات بين الطريقة التي يتحدث بها الرجال والنساء، والفرق بين أساليب التحدث المهذبة وغير المهذبة وما إلى ذلك. بالنسبة للأطفال، فإن الوضع الثنائي اللغة هو مجرد اختلاف آخر بين الناس!
كما تؤكد الأبحاث الحديثة أن هناك مزايا لكونك ثنائي اللغة (بالإضافة إلى معرفة أكثر من لغة واحدة)، فالتفكير يصبح أكثر مرونة أيضاً.
كيف نبدأ في تعليم أطفالنا لغتين؟
الشيء الرئيسي الذي يجب تذكّره هو أن الوالدين لا “يعلمان” الأطفال حقاً أن يتكلموا، إنها عملية تأتي بالتدرج كالمشي أو الابتسام.
العامل المهم في تطوير لغة الطفل هي التفاعل، فإذا تعرض الأطفال للغتين في مجموعة متنوعة من الظروف مع العديد من الأشخاص المختلفين من وقت ولادتهم، وإذا شعروا أنهم بحاجة إلى اللغتين للتفاعل مع المحيط من حولهم، فسوف يتعلمون اللغتين.
هل يعني هذا أنه إذا تعرض أطفالنا إلى لغتين منذ الولادة فسيتعلمون كلا اللغتين بنفس التماثل تماماً؟
لا، ولكن يمكن للأطفال القيام بذلك دون أي صعوبة. الجزء الصعب هو التأكد من أن لديهم ما يكفي من التفاعل والتعرض الطبيعي المتكرر لكلتا اللغتين.
وغالباً تكون إحدى اللغات التي يكتسبها الطفل “أكثر أهمية” بطريقة أو بأخرى، ويتمثل دور الأهل والروضة هنا في توفير الفرص الكافية لهم لاستخدام اللغة “الأقل أهمية” بطريقة غير مفروضة أو مصطنعة من خلال اللعب أو القصص وزيارات الأقارب مثلاً.
ما المقصود بأن لغة واحدة قد تكون “أكثر أهمية” لدى الطفل؟
من المحتمل أن تبدو إحدى اللغات أكثر أهمية من الأخرى من وجهة نظر الأطفال عندما تكون هذه اللغة مطلوبة أكثر من غيرها. لنفترض مثلاً أن المرأة السورية والرجل الألماني في المنزل ثنائي اللغة يتحدثان الإنكليزية مع بعضهما البعض (أصبح لدينا هنا ثلاث لغات). سوف يلاحظ الأطفال أن اللغة الإنكليزية تُستخدم في الحالات التي لا توجد فيها اللغة العربية ويعتقدون أن اللغة الإنكليزية “أكثر أهمية” في حال قضاء الوالدين وقتاً أكبر في البيت ويتحدثون فيها معاً ومع الاطفال.
ولكن إذا انتقلت نفس العائلة إلى تونس مثلاً، فسوف يلاحظ الأطفال أن اللغة العربية تُستخدم في كثير من الحالات التي لا توجد بها اللغة الإنكليزية، وقد يقررون أن اللغة العربية “أكثر أهمية”. فالأطفال حساسون جداً لهذه الاختلافات وقد يترددون في استخدام اللغة “الأقل أهمية”.
هل من الأفضل البدء في تعليم اللغة الثانية بعد بداية جيدة للأطفال مع لغتهم الأم؟
بالتأكيد لا، لا سيما في المنزل ثنائي اللغة (على سبيل المثال: الزوجان السوريان اللذان يعيشان في ألمانيا) فبالتأكيد سيتعرض الأطفال للغة الألمانية بشكل طبيعي وتدريجي في الروضات والمدارس الألمانية، هنا لا يوجد خطر في ضياع اللغة الألمانية، بل تكمن المشكلة في الواقع هي أن الأطفال يرفضون أحياناً لغتهم الأم لصالح اللغة الألمانية الأكثر تداولاً في حياتهم اليومية.
أنا وزوجي نتكلم لغات مختلفة، هل يجب أن نتحدث فقط مع أطفالنا باللغة الأم لكل منا إذا أردنا أن يتحدثوا بلغتين؟
يوصي العديد من الخبراء باستخدام طريقة “الوالد الواحد واللغة الواحدة” لمنزل ثنائي اللغة. والفكرة هي أن الأم تتحدث دائماً لغتها الخاصة مع الأطفال، وأن الأب يتحدث دائماً لغته الخاصة به. يعد هذا أساساً جيدًا لمنزل ثنائي لغة ناجح.
اعتاد أطفالي التحدث بلغتنا الأم، ولكن الآن بعد ذهابهم إلى الروضة أو المدرسة، يمزجونها باللغة الألمانية في بعض الأوقات. ما الحل؟
الهدوء والاسترخاء. حيث يعد خلط اللغة في البدايات أمراً طبيعياً حين يتحدث الجميع كلتا اللغتين. هذا لا يعني أن الأطفال سوف ينسون لغة واحدة منهما، وهذا لا يعني أنهم لا يستطيعون التفريق بين اللغتين.
إذا قمت بتوبيخهم على التحدث باللغة الألمانية أو على إدخال كلمات ألمانية في الجمل، فقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ موقف سلبي من اللغة الأم ويزيد الأمر سوءاً.
بدلاً من ذلك، يمكنك إنشاء مواقف طبيعية يحتاج الأطفال فيها حقاً إلى اللغة المنزلية مثل دعوة الأجداد والجدات أو الأقارب ومجموعات الأصدقاء، أو الاتفاق المسبق على أن لغة المنزل والحوار فيه هي اللغة الأم وفقط، ماعدا ذلك لن يستطيع الآخر فهمك (على سبيل المزاح)، وتذكر أنه حتى لو انتهى الأمر باللغة الألمانية كلغة مهيمنة، فلا يزال بإمكان أطفالك أن يكونوا متحدثين أكفاء باللغة العربية.
بعض المصادر والمراجع:
- بيكر، كولن: 1995. دليل أولياء الأمور والمعلمين إلى ثنائية اللغة. مسائل متعددة اللغات.
- جروجان، فرانسوا: 1982. الحياة مع لغتين، مطبعة جامعة هارفارد.
- فيليب رايلي: 2003. الأسرة ثنائية اللغة: دليل للآباء والأمهات، صحافة جامعة كامبردج.
- Betty Birner: أسئلة وأجوبة ثنائية اللغة 2002، واشنطن: الجمعية اللغوية الأمريكية.
اقرأ/ي أيضاً:
“الأيدي الصغيرة” في المهجر: مشروع تعليم اللغة العربية للأطفال في لايبزغ الألمانية
لاجئان سوريان يطلقان أول مجلة أطفال باللغة العربية في أوروبا
اللغة العربية في ألمانيا إحصائيات وحقائق
بعيداً عن تأثير الدين: اللغة العربية لأطفال المهاجرين… الأهمية والمصاعب!
مبادرة “شارك كتابك” للتشجيع على القراءة باللغة العربية