د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
لسنا بحاجة للحديث كثيراً ومطولاً عن الآثار السلبية لجائحة كورونا على مفاصل الحياة العائلية والدراسية والمهنية وما رافقها من إغلاق للحدود وتضييقات شتى على حرية الحركة والتواصل الحي مع الآخرين بالنسبة لمعظم الناس وخاصة من فئات المراهقين والبالغين، إذ أن معظمنا اختبر تلك الآثار ومازلنا نعيشها ونعاني منها. في هذه المقالة نسلط الضوء على تأثير ذلك كله على حياتنا وصحتنا الجنسية بشكل محدد.
فقد بينت بعض الدراسات والاستطلاعات التي تمت في الأشهر الأولى من الإغلاق – أي بين آذار وحزيران من العام الماضي – أن الكثير من الناس وخاصة المتزوجين وممن يعيشون مع شركائهم سوية، قد قاموا بتقييم هذه المرحلة إيجابياً فيما يخص النشاط الجنسي، إذ وجدوا في الوقت الذي توفر لهم بسبب عدم الذهاب إلى العمل أو تقييد الحركة فرصة أكبر للتقارب وتمضية الوقت والتمتع بحياتهم الجنسية، بعد أن كانوا يشتكون من ضغط العمل وقلة الوقت وضرورة الاستيقاظ مبكراً والعودة مرهقين ومتأخرين إلى البيت. إلا أن هذه الإيجابيات سرعان ما تلاشت بفعل الكثير من العوامل، ومنها الملل ووجود الأطفال طيلة الوقت أيضاً في المنزل، إلا أن السبب الأهم كان عملياً هو هشاشة العلاقة الحميمية والتواصل والإنفتاحية بين الأزواج التي كانت الشهوة والإثارة من فترة لأخرى تغطي عليها وعلى عيوبها.
اقرأ/ي أيضاً: أسرار وأنواع النشوة الجنسية.. من سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات
أصدرت المؤسسات والهيئات الصحية في معظم الدول إرشادات ونصائح توجيهية بشأن ممارسة الجنس أثناء جائحة فيروس كورونا بشكل يقلل من الإصابة والعدوى. وأشارت تلك التوجيهات بوضوح إلى ضرورة التأكيد على التباعد الاجتماعي، لا بل وصل الأمر بمديرية الصحة في نيويورك مثلاً إلى القول بأن الشريك الجنسي الأكثر أماناً هو الشخص نفسه في إيحاء الى أن التمتع الذاتي (الاستمناء) وكذلك البدائل الإلكترونية والتقنيات الكومبيوترية هي الحل الوحيد الأمثل الذي يمكنه الوقاية من انتشار المرض، مع التشديد على غسل الأيدي والأدوات المستخدمة (الألعاب الجنسية) بالصابون والماء لمدة 20 ثانية على الأقل قبل وبعد ممارسة الجنس. كما نُصح بأن يقصر الناس الاتصال الجنسي على الأشخاص الذين يعيشون معهم فقط بعد أخذ الاحتياطات اللازمة واستخدام الواقي الفموي وللعضو التناسلي الذكري.
خطر العدوى بفيروس كورونا أثناء الممارسة الجنسية؟
استناداً إلى البيانات المتاحة يبدو أن جميع أشكال الاتصال البشري تنطوي على خطر انتقال الفيروس، وبالتالي فإن خطر العدوى أثناء الاتصال الجنسي مرتفع جداً لكون الفيروس موجود في الرذاذ الخارج من الجهاز التنفسي وينتشر عبر الهواء، كما أنه موجود في قطرات التعرق الجسدي وعلى سطح الجسد يمكن أيضا أن يبقى ناشطاً لعدة أيام. كما يوجد فيروس كورونا فى دموع البكاء والبراز والبول، بيد أنه لم يتم التأكد بشكل نهائي من وجوده في السائل المنوي للذكور المصابين أو في السوائل الحميمية للنساء المصابات. والنتيجة من هذا كله هو أن أي نوع من النشاط الجنسي ينطوي على خطر العدوى بفيروس كورونا وخاصة أن فترة حضانة الفيروس تستمر بضعة أيام والكثيرين من المصابين قد يمرضون به دون عوارض خارجية تدل عليه.
إنه وباء العزلة الحميمية والشعور بالوحدة..
ومع ذلك وتحت ضغط الحاجة الجنسية واتخاذ قرار بشأن نوع معين من النشاط الجنسي الهادف للحفاظ على التوازن النفسي، من الضروري تذكر قواعد السلامة المرتبطة به وأهمها:
- الامتناع الجنسي بالطبع، يعطي أفضل فرصة لتجنب عدوى فيروس كورونا، ولكن هذا ليس الآن في محله تماماً.
- الاستمتاع الذاتي بوجود الشريك يقلل كثيراً من خطر العدوى شريطة عدم وجود اتصال جسدي معه.
- النشاط الجنسي من خلال مختلف المنصات الرقمية والاتصالات الصوتية والمرئية أيضاً يجعل خطر العدوى هو صفر عملياً، مع ضرورة أخذ الاحتياطات الخاصة بالأمان والخصوصية أثناء اجراء هذه الاتصالات منعاً للتسريبات.
- من المهم أيضاً توعية الأسر للقاصرين بمخاطر الجرائم الجنسية على الإنترنت التي زادت نسبة كبيرة خلال الجائحة والحجر الصحي ذي الصلة.
- ممارسة الجنس فقط مع الشخص الذي نقيم معه في أسرة مشتركة لا يُبعد خطر العدوى، ولكنه يُقلل كثيراً من إمكانية حدوثها وحتى بحال الإصابة فإن الحجر سيلزم الشريكان على تحمل الحجر الصحي المشترك.
- بحال الجنس مع أشخاص من خارج البيئة المباشرة يوصى باتخاذ تدابير وقائية بعيدة المدى وأهمها الحد من عدد الشركاء الجنسيين، وارتداء الكمامة الواقية وتجنب التقبيل في الفم، إضافة للاستحمام قبل الجماع وبعده وتطهير الأغطية وسطوح الطاولات والمقاعد بالمطهرات المناسبة وما إلى ذلك. بالطبع لن يبدو الأمر رومانسياً ولكن لتقليل خطر العدوى فإن هذه الإجراءات ضرورية.
الجوانب النفسية للامتناع عن ممارسة الجنس
وعند قراءة التوصيات المذكورة أعلاه، قد يستنتج البعض منا أنه من الأسهل أن نرمي كل هذا وراء ظهورنا وأن ننسى الأمر ونرتاح. ولكن هل الامتناع الجنسي حل جيد؟
النشاط الجنسي هو واحد من أهم جوانب صحة الإنسان وتوازنه النفسي وسعادته، ولكنه غالباً ما يكون مُهمشاً من قبلنا. وقد ثبت أن النشاط الجنسي المستقر يرتبط بزيادة التمتع بالحياة وتحسين الرفاهية الذاتية وتحسين نوعية الحياة، إضافة إلى دوره المهم في الحفاظ على الصفاء الذهني والتركيز العقلي. وبالتالي فإن تهميش دوره هذا أثناء الجائحة أمر قد يزيد من الضيق النفسي واحتمالات الإصابة بالاضطرابات النفسية والجنسية، التي قد تكون لها عواقب نفسية كارثية على المستوى البعيد. لذلك دعونا لا نتخلى عن النشاط الجنسي ولكن لنمارسه بحذر وتخطيط والأهم هو الابتعاد عن المغامرات الجنسية غير محسوبة النتائج.