ريما القاق*
في المقال السابق، تحدّثنا عن مشاكل الحصول على شهادة اللغة الألمانية B1، وهي مشكلة حقيقية عند عدد لا يستهان به من السوريين في ألمانيا. ولكن ثمة مشكلة أخرى تشغل كثيراً من السوريين في ألمانيا وهي الزواج.
– “مظبوط التدوير على عروس أصعب من فحص الـ B2؟!”.
أثار هذا السؤال المطروح على إحدى المجموعات السورية الفيسبوكية، والتي تضم أكثر من ٢٠٠ ألف عضو، تفاعل المئات، وكان الأغلب مؤيداً للطرح بل ومصرّاً أن الزواج أصعب من ذلك بكثير!
الزواج في سوريا:
شكّلت الحالة المادية العائق الأبرز أمام الزواج في سوريا، ففي الكثير من الشرائح الاجتماعية كان الزواج حدثاً أساسياً وهدفاً لكثير من الشباب والشابات، وعلى أساسه يتم تأمين بيت وعمل. أما اختيار العروس أو العريس فلم يكن أمراً يثير الكثير من الجدل؛ ففي حال كان الاختيار تقليدياً، من قبل الأهل أو من قبل الشخص نفسه، يتم اختيار الشريك/ الشريكة من البيئة نفسها عادة، ومن نفس الحالة الاجتماعية والدينية والمادية، على مبدأ “يلي متلنا تعوا لعنا”.
شرعاً وعرفاً، السائد أن الرجل في كثير من شرائح المجتمع السوري هو المسؤول مادياً، وبالتالي هو صاحب السلطة الأعلى في العائلة، ومن هذا المنظور لا يتم بالعموم استثمار الكثير لتطوير أو تمكين الفتيات أو وهبهن الأموال باعتبار أن الفتاة: “آخرتها لبيت زوجها”.
الزواج في ألمانيا:
يثير موضوع الزواج في ألمانيا جدلاً واسعاً، باعتباره سؤالاً صعباً لم يعثر له على جواب شافٍ. فمن ناحية، لم تعد الحالة المادية عائقاً بوجود الضمان الاجتماعي المقدم لعموم اللاجئين، والذي يغطي السكن، المعيشة، التعليم والضمان الصحي. لكن من ناحية أخرى، أدّت هذه الضمانات الاجتماعية التي نالتها الفتاة أيضاً إلى مشكلة أخرى وهي ارتفاع المهور.
ارتفاع المهور:
يبدو أن ارتفاع المهور المطلوبة من قبل عائلات الفتيات السوريات في ألمانيا ليست مجرد كلام أو حالات نادرة. فهناك أب يقول إن ابنته كلّفته آلاف اليوروهات لتصل ألمانيا بطريقة غير شرعية! أب آخر يتفاخر بأن ابنته تحصل على (راتب) من الجوب سنتر، ويطالب بهذا (الراتب) بعد الزواج. وآخر يقول إن ابنته حصلت على شهادةB1 ويمكنها القيام بالكثير من الأمور، مثل المعاملات والمواعيد الرسمية والتعامل مع الأطباء وتعليم الأطفال وغيرها. تدفع هذه الشروط المجحفة الكثير من الشباب للعزوف عن الزواج، والشكوى من هذا الأمر وبالتالي البحث عن حلول بديلة، فتراهم يلجؤون إلى مجموعات الفيسبوك السورية ليعبروا عن غضبهم، أو يسألون الآخرين عن تجاربهم بهذا الصدد، ولا سيما تجربة الزواج من ألمانية!
الزواج من سورية أو ألمانية أو شيشانية؟
تختلف هذه المقارنات والجدالات بطرحها ومحتواها، لكنها تجتمع على إهانة المرأة سواء أكانت عربية أم غير عربية. الأمر الآخر الملاحظ أن هذا النقاش لا يدور إلا في أوساط الرجال، كأن النساء سلعة يتناقلونها، فيقول أحدهم مثلاً: “الألمانية ما بتكلفك كتير”. أما أكثر ما يتم مدح الألمانيات فيه فهو أنهن لا يطلبن مهوراً عالية، يعملن ويشاركن في المصروف، متواضعات، ولا يضعن المكياج! في حين يتم التحذير منهن من ثلاثة أمور أساسية: ممارسة الجنس من قبل، تناول الكحول وأكل لحم الخنزير. أما أبرز ميزات السوريات المذكورة، فهي معرفتهن بالطبخ العربي ووفائهن. بينما يتم انتقادهن لأنهن لا يعملن ويقضين وقتهن بين المكياج و”حديث النسوان”!
البعض اقترح الزواج من شيشانيات، فهن مسلمات ومحتشمات ولسن متحررات كالألمانيات. أي أنهن يجمعن بين جمال الألمانيات وقلة طلباتهن، واحتشام وأخلاق السوريات. البعض الآخر اقترح خطبة فتيات يعشن في الداخل السوري، واستقدامهن عن طريق لمّ الشمل إلى ألمانيا، فالأوضاع السيئة هناك لا تسمح لهن بطلب مهور عالية، بل يعتبرن “العريس” من ألمانيا ضربة حظ يشكرن الله عليها.
يتجلّى في هذه النقاشات الكثير من الصراع والتّخبط ما بين القيم والعادات التقليدية والجديدة، الأمر الذي يهدّد بدوره الهوية الدينية والاجتماعية والجندرية للرجل، فيحلّ الغضب في حياته، وتتراكم الأسئلة الشائكة مرة بعد أخرى بدون حل أو جواب شاف. فالرجل الذي تخرج زوجته للسهر مع رجال آخرين، لا يعتبر “رجلاً” في العرف الشرقي مثلاً، الأمر الذي يفاقم الصراع داخله، ويعمق ويضخم أسئلة الهوية وتغيراتها خلال الفترات الانتقالية في مجتمع جديد أو ثقافة جديدة.
لا غنى عن التأكيد نهاية، أن كل ما سبق من طرح ومحتوى من آراء حول النساء ما هو إلا مؤشر على ذكورية مبالغ بها في المجتمع، وعلى قيم تسلّع المرأة وتهينها، وهما أمران غير مقبولان في القرن الواحد والعشرين، فأن يتم الحديث عن المرأة كأنها بضاعة يجرى تقييم سعرها بدون النظر إليها كإنسان شريك له رأيه بالمقابل، هو أمر من مخلفات ثقافة بائدة وعفنة. ومن الجدير بالذكر أن كل هذه الإساءات تجاه النساء لا تصدر من بعض الرجال فقط، بل أيضاً من أسر النساء التي تقبل أن تضع سعراً لبناتها.
خاص أبواب
*ريما القاق. ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة
اقرأ/ي أيضاً للكاتبة:
بعد سنوات من اللجوء في ألمانيا، أي العقدتين أصعب الزواج أم B1 ؟ الجزء الأول
العنف اللغوي والثقافي وتأثيره على لاوعي المجتمعات
هل أنا ضحية دون أن أعلم؟ الجزء الثاني: العنف المتواري خلف اللجوء