غيثاء الشعار*
هاجس جديد يلاحق بعض الأهالي في أوربا وأميركا، وهو النوع الاجتماعي “الجندر”، وكيفية تربية الأطفال بحذر دون التدخل في توجيه هوياتهم الجنسية بشكل أو بآخر أو حتى التأثير فيها. هؤلاء الأهالي يريدون إعطاء الحرية المطلقة لأطفالهم في تحديد نوعهم الاجتماعي عندما يصبحون قادرين على ذلك، ولا يخبرونهم إن كانوا ذكوراً أم إناثاً أو حتى جنساً ثالثاً (في حال خلقوا بأعضاء جنسية ذكورية وأنثوية معاً)، يبدو أن المشكلة لم تعد المساواة بين الجنسين فقط، بل تجاوزتها ليصبح مجرد ذِكر الجنس هو مشكلة بحد ذاته.
يحاول اليوم بعض الناس في أميركا تنشئة أطفالهم خارج الأعراف التقليدية الجنسانية، حيث لا يخبرون الناس حولهم عن جنس مواليدهم، ويختارون لهم أسماء وثياب محايدة لا يمكن من خلالها تحديد الجنس، ويتحدثون عنهم بالضمير (هم) فلا يقولون هو أو هي، وفي حال تم الضغط عليهم من المحيط لمعرفة إن كان لديهم صبي أو فتاة يكون الجواب (لدي طفل، وليس من المهم لك أن تعرف نوع أعضائه التناسلية).
بعض السويديين أيضاً لا يرغبون باستخدام ضمير المذكر والمؤنث أمام الأطفال، فابتكروا ضمير المحايد (هِن) الذي لا يمكن من خلاله تحديد الجنس، كما لا يعلمون أطفالهم ربط أعضاء جسمهم بنوعهم الاجتماعي خوفاً من إقحامهم في القوالب الجندرية النمطية وآثارها، والتي تبدأ بالثياب الزهرية والزرقاء وتتكرس مع الزمن عبر المواقف والإعلانات والألعاب، وما إلى ذلك.
لهذه الأسباب تم إنشاء دور حضانة توفر هذه الخدمة حيث يُستخدم الضمير المحايد أو أسماء الأطفال دون أي إشارة إلى جنسهم، وتبع ذلك طرق تدريس تحاول الخروج عن النمطية في التعامل مع الأفراد وتقسيمهم حسب الجنس، لأنهم يعتبرون أن الهوية الجنسية والمعرفية تتطور في مراحل الطفولة المبكرة، والنوع الاجتماعي سيحدد الأدوار والمسؤوليات والأنشطة التي سيقوم بها الشخص فيما بعد، بالاضافة الى حقوقه وواجباته.
يلاقي هذا النوع من الهوس بالجندر رفضاً من بعض النقاد والأطباء النفسيين الذين يعتبرون هذه الطريقة مبالغاً فيها في التربية وتعتبر غسيل دماغ للأطفال، تكمن خطورتها في أنها (أحياناً) تخلق قضية حول الجندر حيث لا وجود لها، وأن الطريقة السليمة للتعامل مع الأطفال هي بتسميتهم (أطفال) وتعريف الصبي بالصبي والفتاة بالفتاة، وأن يشرحوا لأطفالهم أن هناك أكثر من طريقة لتكون الفتاة (فتاة) والصبي (صبي). كما أن هذه الطريقة بالتربية لا تضمن قبول الأطفال اجتماعياً على أنهم (أطفال) بغض النظر عن هويتهم، خصوصاً أن بعض الدراسات أثبتت أن الأطفال الغير ملتزمون بنوع اجتماعي يتعرضون للتنمر والبلطجة من أطفال آخرين.
وذكرت صحيفة تلغراف “يزعم النقاد أن التجربة تضع تركيزًا غير صحي على هذا الموضوع، في وقت يكون فيه الأطفال أصغر من أن يطرحوا أسئلة” كما قالت عضوة حزب المحافظين في بريطانيا (مارى دوغلاس) “إن الأطفال على وجه الخصوص ضعفاء للغاية وعرضة لما يقوله البالغون. وحتى الإشارة إلى أنه قد لا يكون ذكراً أو أنثى جوهريًا، من المحتمل أن تكون ضارة للغاية”.
الكثير من الأدلة تؤكد أن غالبية المعلمين في مرحلة الطفولة المبكرة ليس لديهم التدريب الكافي للخروج عن الصورة النمطية في التعامل مع الأطفال، وأن المدارس ودور الحضانة غالبا ما تعزز هذه الصور، عبر المعلمين والزملاء في الصف من خلال عبارات وتصرفات وتوقعات حول الأطفال، كأن يتوقع المعلمين أن الصبيان أفضل من البنات في الرياضيات، أو أن الكارتيه للصبيان والباليه للفتيات أو من خلال علامات الاستغراب من الألوان والألبسة التي يختارها الأطفال أوتمرير معلومات بطرق غير مقصودة عن مهن المستقبل كالدكتور والممرضة، المعلمة والتلاميذ وهذا ساهم في خلق مشكلة حقيقية وهي تناقص عدد المعلمين الذكور حول العالم. وهنا تتابع الصحيفة: “الاختبارات النفسية بالتأكيد تظهر فجوة صارخة، فالصبيان أقل قدرة على التعبير عن مشاعرهم ولكنهم أكثر ثقة في قدراتهم، في حين أن الفتيات يتمتعن باحترام ذاتي أقل وقدرة أقل على معالجة الأرقام والأشكال”.
بعض الاتجاهات الحديثة في التربية اليوم تحاول التركيز على الجنسين بالتساوي وتذكر قصص عن صبيان حساسين وناجحين، وعن فتيات قويات وناجحات أيضاً، ويحاول المربون عدم الحديث عن أميرات بأثواب جميلة، ينتظرن أميراً خارق القوة والذكاء، وبالفعل هناك بعض المدارس صارت تركز على أسماء الأطفال بدلاً من الضمائر المذكرة والمؤنثة، وتسعى لأن تكون الخيارات مفتوحة أمام الأطفال للتعلم بالتساوي، ومساعدتهم على اكتشاف من هم، بالاضافة الى توفير بيئة سلمية يقبل فيها الأطفال الاختلافات فيما بينهم ويقيمون روابط تجمعهم، وتدعم ثقتهم بأنفسهم.
كما أن الاهتمام العقلاني بحق الأفراد في اختيار جنسهم، قد يعود بالفائدة على الأطفال أو المراهقين المتحولين جنسياً والذين لديهم النسب الأعلى في الاكتئاب ومحاولات الانتحار، لكن المغالاة في التركيز على الجندر وعدم الحديث عنه مطلقاً أمام الطفل لا يمكن أن يحميه عندما يلتقي بالعالم الخارجي بعيداً عن والديه، مع الأقارب والأصدقاء والأجداد، من المستحيل إيجاد بيئة محيطة بالطفل خالية من الجندر، حتى في الدول التي اعترفت بالجنس الثالث، حتى الآن هناك بعض الأماكن المخصصة حسب الجنس، الحمامات، بعض النوادي الرياضية وغرف تبديل الملابس .
كانت باكستان من أوائل الدول التي أدخلت الجنس الثالث الى وثائقها الرسمية عام 2009 وتبعتها فيما بعد عدة دول منها بنغلادش والهند ومؤخراً كندا وأميركا، وألمانيا التي أدخلت الأشخاص ثنائيي الجنس في خانة الجنس الثالث العام 2017 لحمايتهم من التمييز والانتهاك والذين كان عددهم 116 ألف شخص عند صدور القرار.
ثنائيي الجنس هم أشخاص يخلقون بأعضاء وغدد تناسلية وأنماط كروموسومية مختلفة، بعضهم تكون السمات ثنائية الجنسية واضحة عند الولادة وبعضهم لا تتوضح إلا عند البلوغ وقد لا تظهر جسدياً وتنحصر بالعامل النفسي.
*غيثاء الشعار.
كاتبة سوريّة، تدرس (السياسات العامة) في برلين
اقرأ/ي أيضاً: