د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
يعتبر النشاط الجنسي بالنسبة للبعض جزء مهم من الحياة اليومية، وبالنسبة لآخرين امتداد للحب والحياة. ويمكن للذكور أو الاناث أن يجتهدوا لممارسة العلاقة الحميمة والاستمتاع بها أو للتمنع عنها والتعامل معه على أنه تحصيل حاصل تجاه الحاجة أو الشريك.
وعلى عكس ما هو مُسوق إعلامياً فإن جهوزيتنا لممارسة النشاط الجنسي لا تعتمد دائمًا على عمرنا أو شخصيتنا أو مظهرنا الخارجي، فالرغبة الجنسية المرتفعة أو المنخفضة عند الشخص ليست سمة أو ميزة منفردة ولكنها أيضًا ناتج عن توافق أو تضارب العديد من العوامل والظروف الأخرى ومنها خبراتنا الخاصة و”جودة” علاقتنا مع الشريك، وشعورنا بالسعادة من عدمها، وكذلك نمط الحياة التي نتبناه ومستوى صحتنا وعافيتنا، وأخيراً وليس آخراً – قابليتنا للتوتر والإجهاد النفسي. كل تلك العوامل تجعل من حياتنا الجنسية أكثر أو أقل تعقيداً ولكن ليس دائمًا بنفس الشكل والطريقة والنتيجة.
على عكس المروج له يؤثر الإجهاد على النشاط الجنسي على الإناث كالذكور
عوامل الإجهاد وأسباب التوتر النفسي لا تقتصر على المشاكل في العمل والأداء والتحصيل وإنما تعود بالدرجة الأولى إلى مهاراتنا بالتعامل معها وحصانتنا النفسية والبدنية، حيث أن أي موقف لا نتعامل معه بشكل جيد يمكنه أن يسبب التوتر وخاصة عندما تكون امكانياتنا أصغر من متطلباته. وهو الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج ردود فعل نفسية وفسيولوجية في بنيتنا النفسية والجسدية بتواتر وشدة قد يناسب الموقف وقد يتخطى حدوده.
وبالرغم من أن الضغط اللحظي ربما يكون حافزًا ومحفزًا لتحسين الأداء إلا أن الضغط المستمر والمتصاعد الوتيرة على الجسم يمكن أن يكون له نتائج كارثية على الصحة النفسية والجنسية للفرد. فبالإضافة إلى الأعراض المعروفة للتوتر والإجهاد كألآم المعدة والبطن وكذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب أو ارتفاع مستويات السكر في الدم، فالإجهاد يمكن أن يغير أيضًا في قدراتنا وطاقتنا وحياتنا الجنسية.
اقرأ/ي أيضاً: أسرار وأنواع النشوة الجنسية.. من سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات
يؤثر الإجهاد على النشاط الجنسي للإناث والذكور على حد سواء, ومقاربة الإجهاد النفسي مع النشاط الجنسي ليست بوجه واحد. فهو قد يجعل الأداء الجنسي صعباً وغير موفقاً أو ممتعاً من جهة, ومن جهة أخرى فالنشاط الجنسي قد يكون وسيلة لخفض التوتر والتعامل مع الإجهاد أيضاً.
للإجهاد تأثير كبير على صحتنا الجنسية وهو لا يؤدي فقط إلى انخفاض الرغبة الجنسية أو ضعفها ( البرودة الجنسية) وآلام الجماع عند الإناث وإنما أيضاً إلى اضطرابات الانتصاب والقذف عند الذكور وإلى مشاكل في الخصوبة. وغالباً ما يتجلى عند الجميع بنهاية المطاف بتجنب الممارسة الجنسية وبالابتعاد عن التقارب الحميمي وحتى الجفاء ومشاعر العداء تجاه الشريك وخاصة عندما نجد أنه علينا شرح أسباب ترددنا في التقارب أو رغبتنا بالابتعاد عندما لا يزال شريكنا يطلب الممارسة الجنسية ويعبر عن حاجته لإشباعها.
غياب العلاقة الجنسية يؤدي لأزمة حقيقية بين الأزواج
ولهذا الأمر بحال تكراره نتائجه على الشريك – الشريكة لكون تجنب الشريك للجماع يُشعر الشريك الآخر بأنه غير مرغوب به وأنه فقد جاذبيته ومكانته في العلاقة، وهو ما يعقد الأمور أكثر ويجعل من صحة الشريك النفسية والجنسية موضع شكوك وربما يقود إلى حافة أزمة عميقة في العلاقة التي تجمع الشريكان.
وقد يحدث أيضًا أن التوتر يجعلنا أكثر تحفزاً ورغبة في ممارسة الجنس بهدف التخلص السريع منه بسرعة، وهو أمر ليس سيئاً بحال أن التفاهم موجود مع الشريك الذي لا يمانع الشريك في مثل هذه الزيادة غير المتوقعة أو المفهومة في الرغبة بالتواصل الجنسي كوسيلة للتفريغ.
اقرأ/ي أيضاً: الحياة الجنسية للأنثى المعاصرة.. رغباتها وتوقعاتها من الشريك
لكن الأمور تبدأ بالسوء بحال عدم التفهم أو الجهوزية من قبل الشريك الذي قد يفسر ذلك بشكل آخر ويتسبب بالشك لديه إضافة الى أن تبني هذا الشكل من التعامل مع التوتر يُفقد التقارب الجنسي الحميمية والعواطف ويجعله ميكانيكياُ و ربما سلوكاً قهرياً – إدمانًا ويسيء بالنتيجة الى العلاقة.
علينا أن لا نفترض خلافًا للرأي السائد أن كل ضغط أو توتر نفسي هو سيء بطبيعته بالنسبة لصحتنا النفسية والجنسية لأنه عنصر مهم في نمونا وصقل أداءنا وتكيفنا، ولكن علينا أيضاً أن لا نبخس مكانة وتأثير الضغوطات النفسية والإجهاد الطويل الأمد والقوي على صحتنا.
على الشريكين تعلم أدوات للتحكم بالضغط والإجهاد
يتوجب علينا ببساطة فهم ذلك وتعلم بعض الأساليب الصحية لإدارة التوتر والتغلب على الإجهاد لأنه أمر لا مفر منه في حياتنا العصرية. وبما يخص آثاره على صحتنا الجنسية فالترياق الأمثل هو في تمتين العلاقة والاحترام المتبادل والتواصل الجيد والتفاهم الناضج مع الشريك.
فإذا كان التوتر هو المسؤول فعليًا عن سوء الفهم والأداء الحميمي الجنسي فعلينا أن لا نزيد الوضع سوءًا وإنما معاملة شريكنا بمهارة و بحب وصبر والبحث معه عن الحلول ومشاركته فيها, ففي ذلك فرصة لتقوية العلاقة بدلاً من اضعافها أو حتى خسارتها. وكما نسعى باستمرار من أجل تحسين الكفاءة المهنية والوصول الى أفضل نسخة اجتماعية من أنفسنا فعلينا ترجمة وتطبيق ذلك على حياتنا الجنسية و سنكون عندها راضين عنها وعن أنفسنا فيها.
فوائد ممارسة العلاقة الجنسية
ممارسة العلاقة الجنسية حاجة وإشباعها ضروري وهناك العديد من الفوائد لها: فهي تزيد من مستوى الرضا عن الحياة وتقلل من مستوى التوتر, وتوفر الإندورفين وتقلل من الألم وتحسن الكفاءة وتقلل من مخاطر الإصابة بأمراض مختلفة.
من المؤكد أن الممارسة الجنسية الحميمية تعمق العلاقة مع الشريك وفي نفس الوقت تزيد من احترام الذات وتقديرها عند الشريكين. لذا علينا فهم أن التوتر والضغوطات النفسية هي مصدر قلق على الصحة الجنسية وأحد أسباب تدهورها، فلنعمل على حسن التعامل معه لأجلنا وأجل علاقاتنا و بحال أننا غير قادرين على التعامل معه دعنا نتعلم أن نطلب المساعدة من المتخصصين من معالجين نفسيين وجنسيين لأنه في النهاية العقل السليم في الجسم السليم والجنس السليم في الصحة النفسية والعقلية السليمة.