نشر الصحافي الألماني يوليان رايخلت مقالاً بعنوان “إننا بحاجة إلى انتفاضة اللاجئين الشرفاء” في موقع صحيفة بيلد الألمانية واسعة الانتشار بتاريخ 29.12.2016، وكان المدّون السوري حسين غرير قد أرسل ردًا على مقال رايخلت للصحيفة ولكن لم يتم نشره، وستقوم صحيفة أبواب بنشره بالعربيّة والألمانية.
بقلم حسين غرير
عزيزي السيد رايخلت، لقد قرأت دعوتك للشرفاء منا نحن اللاجئين في وجه العنف، لحماية هذا البلد الجميل، ألمانيا.
بعد حادثة إضرام النار برجل متشرد في برلين، ناقشت الأمر مع العديد من الأصدقاء. أرى أنني شخصيًا أتحمّل مسؤولية أخلاقية مباشرة في منع تلك الأفعال الشنيعة التي يرتكبها بعض ممن قدموا من سوريا ومن البلدان الأخرى. إنه واجب الانتماء إلى الإنسانية، وواجب الانتماء لسوريا وواجب الدفاع عن البلد الذي أعيش فيه. ومن غير المقبول أن نكتفي بالتبرؤ من أصحاب هذه الأفعال، ونهرب إلى القول إنهم يمثلون أنفسهم، وإنه يجب التعامل مع جريمتهم على أساس المسؤولية القانونية الفردية. لكنني أدعوك أيضًا إلى عدم الاكتفاء بالنظر من زاوية واحدة فقط لهذا الأمر.
بدايةً أريد أن أذكّر ببعض التواريخ التي تعرفونها جيدًا. لقد قام سوريون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بإلقاء القبض على جابر البكر الذي كان يحضر لعمل إرهابي في ألمانيا. كما أن سوريين لاجئين أيضًا قاموا بالإبلاغ عن أنيس عامري قبل قيامه بالعمل الإرهابي في برلين بعدة أشهر. وهناك الكثير من المبادرات الإيجابية التي يقوم بها اللاجئون انطلاقًا من شعورهم بالمسؤولية، ربما يكون من المفيد أن أخبرك ببعض منها.
تقوم سيدة سورية في مدينة تسيلليه بجلسات مع أطفال ألمان ولاجئين في متحف المدينة لتساعدهم على التواصل من خلال الفن والغناء. وفي نفس المدينة يناقش لاجئون خطة لحماية الشباب اللاجئين الذين حرموا من عائلاتهم، بسبب القوانين الجديدة في ألمانيا، من خطر الوقوع في فخ الإرهاب. وقبل أسبوعين أقمت ورشة عمل للاجئين في مدينة براونشفايغ حول الديمقراطية المحلية والتنظيم الذاتي. قابلت هناك رجلاً سوريًا يتذمّر من امتلاك زوجته الحق في الطلاق منه، فأوضحت له بحزم أن انتهاك حقوق الآخرين ليس حقًا لأحد في ألمانيا ويجب أن يكون كذلك في سوريا.
بكل الأحوال، ينظر كل شخص للأحداث التي حدثت في عام ٢٠١٦ من خلال روزنامته الخاصة. بالنسبة للكثيرين فإن عام ٢٠١٦ بدأ بحادثة التحرش الجماعي وانتهى بجريمة قتل ماريال.
أما بالنسبة لآخرين، فقد بدأ نفس العام بقيام اليمين المتطرف في ألمانيا بملاحقة الأجانب في شوارع مدينة كولونيا بعد جريمة التحرش الجماعي. وانتهى العام بالاعتداء الجماعي على الطفل السوري عدي خالد في مدينة بريمن مما أدى إلى وفاته في المستشفى.
لم تحظَ تلك الحوادث بتغطية إعلامية تتناسب مع حجم الجريمة، ولم تصدر الشرطة في بريمن بيانًا عن قتل الطفل عدي إلا بعد أسبوع على الحادثة! يقول كثير من اللاجئين إن حياة غير الألمان وغير الأوروبيين لا تساوي الكثير في المجتمع الألماني.
بدأ العام ذاته بالنسبة لآخرين بتذكرهم ١٠٣١ جريمة اعتداء على مخيمات للاجئين حدثت في عام ٢٠١٥، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية. لم يكن هناك اعتداءات إرهابية في ألمانيا في ذلك الوقت. وفي عام ٢٠١٦ اتبع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين سياسة قاسية ضد طالبي اللجوء، مما حرمهم من عائلاتهم لسنوات عديدة، ومن بين أولئك الناس عشرات القاصرين الذين يحتاجون إلى الرعاية النفسية والاجتماعية.
وبالنسبة للسوريين فقد بدأ العام ٢٠١٦ بقتل قوات التحالف الدولي عشرات المدنيين بذريعة محاربة داعش، وانتهى بتهجير عشرات الآلاف من سكان مدينة حلب دون أن تتحرك بشكل فاعل القوى المؤثرة في العالم. لقد اكتفوا بمراقبة جرائم الحرب التي يرتكبها الأسد منذ ست سنوات.
يستطيع كل منا أن يرتاح لروزنامته الخاصة إن كان يمتلك نظرة ضيقة للأحداث المتسارعة في العالم، وإن كان يسعى وراء الحلول الفردية. يمكن لكل منا نحن الاثنين أن يتمسك بالأحداث والإحصائيات التي لديه، وتوجيه الاتهامات الصريحة والمبطنة للآخر، وسوف نجد دائمًا من يؤيدنا في موقفنا، ويزيد من حماسنا في الدفاع عن روزنامتنا. لكن ما جدوى ذلك؟ وما هي النتائج المتوقعة؟ بريكزيت أخرى في أوروبا؟ داعش جديدة في سوريا والعراق؟ أسد آخر في تركيا والولايات المتحدة؟
لم تعد طرائق التفكير القديمة مجدية، لأن العالم لم يعد كما كان قبل مئة عام: لم يعد هناك بلدان بعيدة معزولة. لقد أصبحت آثار الأفعال تمتد إلى مناطق بعيدة لم تكن في الحسبان. الكراهية تنتشر اليوم بشكل مجنون في كل أنحاء العالم، كراهية الجميع تجاه الجميع.
لكن هناك طريق آخر أيضًا. يمكننا أن ننظر في روزنامات بعضنا البعض، ونتعرف إلى بعضنا أكثر، ونتفهم مشاعر ومخاوف بعضنا، وندعم بعضنا لنكون أحرارًا من الخوف تجاه بعضنا، ذلك الخوف الذي يغذيه المتطرفون في كل مكان.
معظم الألمان لطيفون وكرماء معنا، لكن المشكلة أنهم يصنفون اللاجئين إما جيدين ضعفاء أو إرهابيين. كثير منا نحن اللاجئون أقوياء بطاقتنا وأحلامنا، ونحن نقوم بالكثير. نحن نواجه كراهية نظام الأسد الذي لا يقبل إلا بالعبيد. ونواجه كراهية التنظيمات الإرهابية التي تعادي كل أشكال الحياة، كما أننا نواجه كراهية بعض الذين لا يقبلون بالغرباء بينهم.
أدعوكم أن نعمل معًا بدل أن تخبرونا ما علينا فعله، وأن نتحدث معًا بدلأ من أن تتحدثوا بالنيابة عنا.