ليليان بيتان | محررة القسم الألماني.
يعتقد كثيرون في ألمانيا أن النسوية ليست موضوعا مهمًّا. لأن النساء يمتلكن الحقوق ذاتها التي يتمتع بها الرجال، فلماذا لا نزال نحتاج إلى حركة نسوية؟ من الخارج، قد تبدو الأمور ورديّة، ولكنها من حيث المضمون بحاجة للمزيد من التعديلات. هكذا ترى الصحافية يوليا كوربك، التي نشرت عام 2014 كتابها “ستاند أب” وهو مدخل إلى النسوية للألمان. الكتاب الذي حاز على اهتمام النقاد والصحافة الألمانية. يوليا كوربك التي عملت سابقًا في مجلة “The European“ وصحيفة “Vorwärts” تعتبر واحدة من الأصوات الشابة في مجال الحركة النسوية في ألمانيا.
وبمناسبة العدد الخاص من صحيفة أبواب، الذي تعدّه صحفيات وكاتبات ويتناول قضايا المرأة، ولإطلاع القراء والقارئات الذين يتحدثون العربية على النقاش الدائر في ألمانيا حول الحركة النسوية المعاصرة، التقينا بيوليا كوربك في العاصمة برلين وجرى الحوار التالي:
ازداد النقاش عن الحركة النسوية السنة الماضية، ما هي أهم المواضيع التي نوقشت في ألمانيا؟
أصبح الحديث عن التحرش الجنسي أمرًا مهمًّا فجأة، يتحدث عنه كثيرون بعد أحداث كولونيا، ولم يكن قبل ذلك يحظى بهذه الأهمية، وفي هذا السياق صرحت كثير من الناشطات في الحركة النسوية أن التحرش الجنسي في ألمانيا أمر واقعي يوميّ، وليس جديدًا، ولا يتعلق بقدوم “رجال” من ثقافات مختلفة إلى ألمانيا.
بعد أحداث كولونيا، تناول النقاش القوانين التي ترتبط بقضايا التحرش، وقد كانت وزارة العدل في العام 2015 تريد إقرار قانون ضد التحرش الجنسي، ولكن الأمر لم ينجح وقتها، ولكن الضغط أصبح عاليًا بعد أحداث كولونيا، فتم إقرار قانون “لا تعني لا”.
بعدها أتت قضية “جينا ليزا” (عارضة أزياء ألمانية اتَّهمت صديقها السابق باغتصابها، وبسبب عدم وضوح الرواية تمت تبرئة المتهم)، ما قد أثار اهتمامي بشده؛ هو النقاش المتداول ما بعد هذه القضية: ما هو الشكل المحدد لـ “ضحية” الاغتصاب؟ حيث دائمًا ما توجد أحكام مسبقة حول مظهر الضحية، تصرفاتها، وكيفية حدوث عملية الاغتصاب، كي تصنف قانونيًا تحت بند الاغتصاب. قضية جينا ليزا أظهرت بشكل مفاجئ وجود الكثير من العبارات الجاهزة، والأحكام المسبقة في ألمانيا حتى اليوم.
كان على قانون جرائم التحرش أن يتغيّر، حتى يتناسب مع القانون الأوروبي، إنه من المحزن حقًا أن نرى دولة متحضرة مثل ألمانيا متخلفة في هذا المجال.
ما هي القضايا الأخرى الواجب تغييرها لتحسين الوضع في ألمانيا؟
إحدى أكبر القضايا هي عملية التوفيق بين العمل والعائلة، فمازال هنالك نقص كبير في عدد الحضانات التي تهتم بأطفال الزوجين العاملين.
مازال غير طبيعيّ للرجل أن يحصل على إجازة الأبوين (إجازة مدفوعة للوالد أو الوالدة للاعتناء بالمولود الجديد).
التمييز على أساس النوع الاجتماعي قضّية كبيرة أخرى، يمكنك رؤية ذلك جيدًا في الجدل الذي حصل السنة الماضية حول السياسية الشابة في الحزب المسيحي الديمقراطي CDU يينّا بيريندز، عندما صرّحت عن حجم التمييز على أساس النوع الاجتماعي الذي تعرّضت له في الحزب، وأنه ليس سهلاً بالنسبة إليها كشابة أن تكون سياسيّة.
العدالة في الفرص في العمل بين النساء والرجال قضّية محلّ جدل كبير، ما هي المشكلة بالضبط؟
تمتلك ألمانيا قانونًا يخلق نسبة معيّنة لتمثيل المرأة “كوتا”. ولكن إلى الآن، يواجه هذا القانون مصاعب عدة تعمل دون تطبيقه على أرض الواقع، بحيث لا تعتبر شركات عديدة هذا الموضوع أولويةً.
فارق الأجور بين الرجال والنساء في المنصب ذاته في العام 2016 بلغ (21%) وهي نسبة أقل من العام السابق (22%) بعضهم يقول: إن هناك تحسّنًا، وشخصيًا لا عتقد هذا تحسنًا كافيًا لأن (21%) رقم كبير، كذلك هذه النسبة تشكل فقط المقارنة العامّة، ولكننا حين نقارن مجموعات محددة، على سبيل المثال: “فارق الأجور بين الرجال والنساء (الذين يعملون فترة دوامٍ كامل) في المنصب ذاته”، سنجد أن هذا الفارق قد ازداد من 6 إلى 7%، وعند أخذ سنوات العمل بعين الاعتبار يزداد أكثر.
بعد كل ذلك، يمكننا أن نرى أننا ما زلنا بحاجة إلى مئات السنين لتحقيق العدالة بشكل كامل في ألمانيا.
هل يكتفي البعض بوجود أنجيلا ميركل في منصب مستشارة ألمانيا؟
سمعت مؤخرًا العديد من الفتيان يتساءلون: “هل بإمكاني أيضا أن أصبح مستشارًا؟” هم يعرفون بوجود “مستشارة” فقط ولم يروا “مستشارًا” بعد!. أعتقد أن وجود امرأة تشغل منصب المستشارة أمر جميل للغاية، ولكن بالتأكيد هناك من يكتفي بذلك، لذلك، غالبًا ما نسمع: “لدينا مستشارة” وهذا يعني أنّ بإمكان الفتيات شغل أي منصب، لكنّه بالتأكيد ليس بهذه البساطة. من المحزن وجود نسبة قليلة من النساء في السلك السياسي بشكل عام، وبالمناطق القروية بشكلٍ خاص.
بالعودة إلى ميركل: لا اعتقد أنها الشخصية السياسية التي تتضامن مع القضايا النسائية، رغم إجراءاتها الأخيرة لأجل النساء. لقد قامت ميركيل بتعيين أورسولا فون دير لايين وزيرةً لشؤون الأسرة، وسعتْ الأخيرة لزيادة الحضانات في ألمانيا، ثم تم تعيين مانويلا شڤيزيك لتحسين ظروف تربية الأطفال (عن طريق زيادة تمويل الوالدين بفترة ما بعد الإنجاب). لا تعمل ميركل بشكل شخصي لحقوق المرأة، إنما تملك فريقًا خاصة يعمل لأجلها.
ماذا تعني النسوية في عام 2017 في ألمانيا؟
يتركّز مفهوم النسوية في العدالة بشكل العام، ليس للنساء وحسب، بل أيضًا للأقليات، كالمثليين أو المجموعات التي تعتبر تعتبرها الأكثرية مختلفة. غاية النسوية هي التضامن، شخصيًا، أعتقد أن النسوية تعني تحقيق العدالة والمساواة في المجال السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، لذلك أعتبر النسوية قضيّة عادلة مستمرّة طالما أنها لم تحقق أهدافها بعد، وتركيز النسويّة على قضايا النساء والفتيات لا يعني اقتصارها على هاتين الشريحتين فقط.
لماذا يرفض عدد كبير من الألمانيات أن يلقبّن “نسويّة”؟
من خلال التجربة، كثير من الناس يتعامل مع فكرة النسوية بشكل سلبي، ولكنّهم غيروا رأيهم بعد أن شرحت لهم ما تعنيه، بسبب تلك النظرة السلبية، يخشى كثيرون من تعريف أنفسهم على أنهم نسويّون أو نسويات، “لا أريد أن أسمّى نسوية، لأن ذلك يعني أن أتحوّل إلى ناشطة في هذا المجال”، هكذا صّرحت كثيرات. بصراحة لا أعرف أيهما أكثر سوءًا، أن يرى بعض الناس أن النسوية تقتصر على تسمية أنفسهم بذلك، وارتداء قميص كتب عليه “هكذا تبدو النسوية” / “هذا يبدو النسوي”، أو أن يؤمن بعض الناس بشدّة بأفكار النسوية ولكنهم يخشون التصريح بذلك. أتمنى أن يمتلك الناس الشجاعة ليقولوا إنهم نسويّون ويتصرّفوا كذلك.
كصحفية، ما مدى التأثير الذي تملكه النساء في الإعلام الألماني برأيك؟
لدينا في ألمانيا جمعية تدعى “ProQuote” وهي تعمل على زيادة نسبة النساء في العمل الصحافي وخاصة في مجال التحرير، وتمارس الضغط لتطبيق التعددية في الصحافة، وهذا ما أراه أمرًا مهمًا يخدم جودة المهنة. أنا على ثقة أن وضع الصحافة يتجه نحو الأفضل، صحف كبيرة عديدة تترأس تحريرها نساء، على سبيل المثال: SPIEGEL Online، jetzt.de، süddeutsche.de، Bild am Sonntag، كذلك الصحيفة الأكبر في ألمانيا Bild والتي لا يجب أن ننسى أنها صحيفة صفراء شعبويّة.
أنا واثقة أن عهد الصحافة القديم قد انتهى، صحافيون وصحافيات شباب نراهم اليوم يدخلون مجال الصحافة بطاقات جديدة وأفكار جديدة، هؤلاء من يحملون فكر التعددية والحداثة، وعليهم تعقد الآمال.