جلال محمد أمين*
أصبح الجميع يعلم أن بمقدور المقيم في ألمانيا أن يستقلّ حافلات النقل العامة دون إبراز التذكرة، فيما عدا الباصات، وبالتالي لا يمكن لمؤسسة النقل التأكد من دفع الركاب ثمن التذاكر إلا في حالة صعود مراقبين مختصين، وهؤلاء يظهرون بين الفينة والأخرى للتأكد من قيام الركاب بشراء التذاكر.
وفق الإحصائيات تفقد ألمانيا حوالي ربع مليار يورو سنوياً بسبب التهرب من دفع ثمن التذاكر، حيث أن 3,5% من الركاب لا يدفعون ثمن التذاكر. لذلك تضطر المؤسسات المشرفة على النقل إلى زيادة عدد موظفي المراقبة للتعويض عن الخسائر، وذلك عن طريق الغرامات المالية. حيث تنص المادة 265 من قانون العقوبات على أن عقوبة الشخص الذي يستخدم وسائل النقل العام دون الالتزام بالدفع هي السجن لمدة تصل إلى سنة أو الغرامة المالية. من هنا يتّضح أن القانون الألماني يستطيع الحكم بالسجن بدل الغرامة، إلا أنه يترك الأمر للطرف المتضرر وهي مؤسسات النقل العامة.
عقوبة المخالفة السجن أو الغرامة المالية:
المستند القانوني لهذه العقوبة يتلخّص بأن الراكب وبمجرد ركوبه في حافلات النقل العام يعتبر أنه وافق على إجراء عقد بينه وبين المؤسسة المسؤولة عن النقل، وهذا العقد الذي لا يحتاج إلى توقيع يتضمن توصيله إلى المكان المحدد مقابل مبلغ محدد، وتبعاً لذلك فإن عدم دفع مبلغ التذكرة لا يعتبر فقط مخالفة للعقد، بل يعتبر من قبيل الغشّ والاحتيال، لذلك يعاقب عليه جزائياً. لكن القصد أو النية هي العنصر الأساسي في هذا الفعل المعاقب عليه قانوناً، وهذا يعني أن نسيان الراكب التذكرة في المنزل، أو نسيان تمديد بطاقة التخفيض الخاص بالعاطلين عن العمل، تدلّ على حسن النية ولا توجد أية خسارة مادية للمؤسسة، وبالتالي تكون الغرامة المالية مخفّضة إذا تمت مراجعة مركز الدفع خلال المدة المحددة في ورقة المخالفة، وهي من سبعة إلى أربعة عشر يوماً.
هناك أمور أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار لدى شراء التذكرة، فمثلاً شراء تذكرة خاصة بمنطقة جغرافية معينة من المدينة واستخدامها في منطقة أخرى يعتبر تماماً كالصعود بدون تذكرة، وفي كل الحالات فإن العقوبة المتعارف عليها هي الغرامة، ولكن الغير معروف أنها قد تؤدي الى السجن! فمجرد طلب المراقبين التأكد من حيازة الراكب للتذكرة توجبه إظهارها لهم. فإن لم تكن التذكرة بحوزته فهو ملزم بإعطائهم الوثائق الشخصية تحت طائلة إبلاغ الشرطة.
الغرامة المقررة في حال عدم الالتزام:
الغرامة المحدّدة للشخص المخالف هي 60 يورو. أما إذا كان الشخص يملك بطاقة شهرية وقد نسيها في المنزل، أو نسي وثيقة التخفيض الخاصة بالعاطلين عن العمل، فإن المخالفة تخفّض، ويختلف مبلغ التخفيض بحسب كل ولاية، بشرط مراجعة مركز جباية المخالفات. وعند التأخير في دفع الغرامة الأساسية 60 يورو فإنها تزداد، وبكل الأحوال يمكن للشخص أن يدفع الغرامة بالتقسيط الشهري. كما يعتبر إبراز بطاقة منتهية المدة أو مزوّرة إلى موظف الرقابة نوعاً من الاحتيال والتزوير، مما يؤدي إلى تشديد العقوبة بحيث تتحول من مخالفة عدم الدفع إلى الاحتيال والتزوير والتلاعب بالأوراق الرسمية. والنيابة العامة لا تحرّك الدعوى العامة بحقّ المخالف دون وجود ادعاء من المؤسسة نفسها، لذلك نلاحظ أنه لا يتم تحويل كل حالات الركوب من دون تذاكر إلى النيابة، بل في كثير من الأحيان تكتفي المؤسسة بالغرامة.
متى يتم تقديم ادعاء للنيابة العامة؟
إن غاية مؤسسات النقل هي تعويض الخسارة الناتجة عن عدم شراء التذاكر، وبالتالي فهي تفضل مضاعفة المخالفة على تقديم الادعاء أمام النيابة، ولا سيما في المرة الأولى والثانية، أما في المرة الثالثة أو إذا كانت المخالفة للمرة الثانية في الأسبوع نفسه، فهي على الأغلب تتقدم بادعاء للنيابة العامة. وهناك بعض المؤسسات التي لا تتسامح في هذا الأمر، وتتقدّم مباشرة بادعاء إضافة إلى طلب دفع المخالفة، وهي تستند إلى المادة 12 من لائحة تنظيم السكك الحديدية، والمادة 9 من تعليمات ولوائح وسائل النقل العامة. وكما يوضّح القانون فإن مضاعفة هذه المخالفة تعتبر إجراء مدنياً، ولا يمنع من سلوك المؤسسة الطريق الجزائي حتى لو تم دفع المبلغ. فيحقّ للمؤسسة متابعة الدعوى الجزائية، خاصة إذا تمّ مضاعفة المبلغ نتيجة عدم الدفع ضمن المدة المحددة. إذاً فالمؤسسة هي التي تحدّد طريقة التعامل مع المخالفين.
ماذا عن القاصرين؟
الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً لا يمكن إلزامهم بدفع مبلغ المخالفة، لعدم القدرة على الدفع لأنهم غير قادرين على العمل. هذا يعني أن الأطفال من سن 7 حتى 18 هم في حضانة الأهل، والأهل مسؤولون عن تأمين التذاكر، وذلك من خلال البطاقات المخفضة عن طريق بيانات المدرسة.
ماذا لو لم يعمل جهاز شراء التذاكر؟
في هذه الحالة عليك تسجيل رقم الجهاز ومكانه والساعة، أو تصوير الجهاز بالهاتف وإظهاره لدى حضور المراقبين. وطبعاً لابد من شراء البطاقة من المحطة القادمة. أما البطاقات المخفّضة الخاصة بالعاطلين عن العمل فهي بطاقات شخصية لا يمكن استخدامها من قبل الغير، وبالتالي يطلب موظفو الرقابة الوثيقة الخاصة بالتخفيض لدى إبراز التذكرة، فإن لم يكن حامل التذكرة هو صاحب هوية التخفيض فإنه يُخالف. كذلك البطاقات السنوية (بطاقات الاشتراك) فهي بطاقات اسمية لا يمكن إلا لصاحبها استخدامها، وعلى العكس من ذلك يمكن لأي كان أن يستخدم البطاقة الشهرية العادية لأنها بدون اسم أو صورة.
بالنتيجة يبدو أن الركوب في الحافلات دون دفع ثمن التذاكر قد يؤدي إلى عقوبات مقيّدة للحرية، لاسيما في حال التكرار، وفي هذه الحالة قد تؤثر العقوبات على الكثير من الأمور المستقبلية للأفراد المقيمين في ألمانيا.
*جلال محمد أمين. محامي ومستشار قانوني سوري مقيم في ألمانيا