د. بسام عويل. اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
تعد الحياة الجنسية للأشخاص الذين يعانون من الديسفوريا الجندرية، أو اضطراب الهوية الجندرية، والمتحولين والعابرين جنسياً، موضوعاً مثيراً للاهتمام بالنسبة للكثيرين، كما تضج صفحات التواصل الاجتماعي بالمواضيع التي تتناول هذه الفئة من الناس وغالباً ما تكون المعلومات فيها خاطئة.
سأبدأ بشرح موجز يفرق بين الهوية الجنسية والتفضيل والتوجه الجنسي، فالهوية الجنسية للشخص تعكس حاجته الجنسية ورغبته بممارسة الجنس من عدمها. أما التوجه الجنسي فهو يحدد مع من يرغب الشخص بممارسة الجنس وإشباع حاجته الجنسية ومع من لا يرغب. وقد توسعت بهذا الموضوع في مقالٍ سابق، ولكن من الضروري الإشارة إلى أنه لدى المتحولين جنسياً العديد من الميول والتوجهات والتفضيلات الجنسية المختلفة بحسب اختلافهم فيما بينهم.
اقرأ/ي أيضاً: التفضيلات الجنسية التي نطلق عليها خطأً “الانحرافات الجنسية”
الانزعاج الجندري
هو الحالة الانفعالية والعاطفية المرتبطة بحدوث عدم التوافق وعدم الاتساق ما بين الهوية الجنسية للشخص وخصائصه الجسمانية الجنسية التي ولد بها. والانزعاج يأتي بالنسبة للأشخاص المتحولين جنسياً وغير ثنائيي الجنس من صعوبة التعايش مع الجسد؛ الغريب نفسياً وجنسياً عن هويتهم الجنسية، والأصعب هو في أداءهم الأدوار الجنسية.
وليس من الصعب فهم معاناة هؤلاء الأشخاص ومشاعر النفور لديهم من أعضائهم التناسلية ومن صفات جسدهم، وهو ما يمنع معظمهم من ممارسة الجنس. ومع ذلك، فإن بعض المتحولين جنسياً يمارسون الجنس قبل الانتقال وأثناءه وبعده. ويكون الرضا الجنسي ممكناً بحال تمكنهم من ترويض بعض المشاعر المرتبطة بالاضطراب ونتائجه، وخاصةً بحال وجود الشريك المناسب القادر على تقبل حدود النشاط الجنسي الممكنة والمتوفرة حالياً.
اقرأ/ي أيضاً: سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 14: مفارقات الرغبة الجنسية
الأبعاد الجسمانية والاجتماعية للانزعاج الجندري
يتسم اضطراب الانزعاج الجندري بمجموعة من المشاعر تشمل على سبيل المثال لا الحصر: القلق، الاشمئزاز، الغضب والحزن. ويعانون من خصائص الجنس الثانوية لديهم (مثل شكل وبنية الجسد، الصوت والطول)، ومن الخصائص الجنسية الثالثة (أي الجنس الهرموني والأيضي)، ومن الخصائص الجنسية الرابعة (القانوني والاجتماعي والثقافي والنفسي).
غالباً ما يشعر المتحولون جنسياً وغير الثنائيين بالنفور من هذه الخصائص الجنسية مجتمعةً ومتفرقة، بينما يتوقون ويسعون رغم كل المصاعب في نفس الوقت للحصول على ميزات الأشخاص من الجنس البديل. والمخرج من هذه الديسفوريا هو بالطبع عملية تغيير الجنس. ولكن حتى قبل ذلك يمكن للأشخاص التعامل خارجياً مع عقبات الصفات الثانوية باستخدام المكياج والإكسسوارات المناسبة لإخفاء الأثداء أو إظهارها مثلاً. أما في البعد الاجتماعي، فبالنسبة للأشخاص المتحولين جنسياً وغير ثنائيي الجنس، غالباً ما يكون العبور الاجتماعي غير المنقوص (التقبل في التعامل والتواصل الاجتماعي).
وبالتالي، فإن المشاعر المتعلقة بديسفوريا الجنس تؤثر على المتحولين جنسياً وغير الثنائيين على عدة مستويات؛ فهم غالباً ما يواجهون صعوبات في قبول أجسادهم وفهم وإشباع احتياجاتهم الجنسية. وبعضهم يسمحون لأنفسهم ببساطة أن يشعروا بمتعة تحفيز الأعضاء التناسلية المرفوضة بمساعدة الخيالات الجنسية. إذ أنه بالرغم من كل تلك الصعوبات يمكن التغلب على بعضها والاستمتاع بالحياة الجنسية مع مستوى مناسب من قبول الذات وبحال وجود الشريك وتقبله والشعور بالأمان. في هذه الحالة يمكن أن يكون الجماع مثيراً ومرضياً حتى بوجود الصفات الجنسية ومع الخجل الذي يرافق التعري.
اقرأ/ي أيضاً: أسرار وأنواع النشوة الجنسية.. من سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات
قد يدخل المتحولون جنسياً قبل العبور في بعض الأحيان في علاقات جنسية متماهية مع جنسهم الجسدي، يحاولون فيها أداء الدور الجنسي المرسوم لهم جسدياً والمحدد عند الولادة غالباً لإرضاء وتلبية توقعات الآخرين. ولكن الخبرات العيادية تؤكد جميعها تقريباً على الأحاسيس المزعجة تجاه الذات والشريك والمتعة التي رافقت تلك التجارب، ومعظمها كانت تجارب فاشلة بالرغم من حدوث الحمل في حالات كثيرة، لكون آلية الانتصاب والقذف وحدوث الحمل يعود إلى سلامة الجهاز التناسلي وظيفياً وهو أمر لا علاقة له بالانزعاج الجندري.
حتى أثناء مرحلة العبور والعلاج الهرموني يمكن أن تحصل اللقاءات الجنسية ويتم الأداء الجنسي وفق جنس الولادة، فهو أمر فردي للغاية ويعود إلى الدافع لممارسة الجنس، وهو لا يقتصر على الإشباع الجنسي والمتعة الجنسية الخالصة بحد ذاتها. مع ذلك فمن النادر أن يجعل اللقاء الجنسي مرضياً بشكل كافٍ لأحد الطرفين أو لكليهما.
يحتاج الأشخاص الذين يعانون من ديسفوريا الجنس والمتحولون والعابرون جنسياً وشركاؤهم إلى استشارات جنسية وتثقيفية خاصة بهم، تكون متماهية مع خصوصيتهم وتفردهم وحتى طباعهم وخبراتهم وشخصيتهم، كما يحتاجون للتشخيص النفسي والجنسي الصحيح والشامل لحالتهم وتقنين حاجاتهم، نظراً لوجود حالات ليست بالنادرة من الأشخاص الذين يعتقدون وربما يتصرفون كمتحولين وعابرين جنسياً وهم بحقيقة الأمر يعانون من اضطرابات نفسية وشخصية تجعلهم يتوهمون ذلك لا أكثر.
اقرأ/ي أيضاً: سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 16: لهذه الأسباب يلجأ الذكور إلى المعالج الجنسي
ومن الضروري التذكير أخيراً بأن المواد الإعلامية والإباحية ليست المصادر المناسبة للتشخيص والتثقيف، لأنها بطبيعتها ذات أبعاد تجارية واستهلاكية وتقوم بتعليب الجميع وتضعهم في إطارات جاهزة، تؤدي إلى تشويه جنسانيتهم وصورتهم ومكانتهم وقيمتهم الاجتماعية.