مصطفى قره حمد، ماجستير دراسات سياسية – جامعة زيغن ألمانيا
منذ بدئه في منتصف القرن الماضي اعتُبر التبرع بالأعضاء قضية جدلية على مستوى العالم، لوجود إشكاليات لها علاقة بالدين والطبقية والتشريعات القانونية وسياسات الاندماج المجتمعي كذلك.
وقد عاد موضوع التبرع بالأعضاء في ألمانيا إلى الواجهة بعد المقترح المقدم من عضوين في الائتلاف الحاكم في البرلمان الألماني، يأملون فيه تغيير سياسة التبرع بالأعضاء في البلاد لتصبح أسهل للمتلقي.
هذا المقال يعرض بعض الإشكاليات المحيطة بالتبرع بالأعضاء بالنسبة للمهاجرين في ألمانيا.
نظرة على موقف الدين الإسلامي:
يقول الشيخ يوسف القرضاوي، إن التبرع بالأعضاء ليس فقط جائز بل مستحب. ويقيس القرضاوي على صدقة المال لإنقاذ فقير أو مريض أو بائس، حيث يعتبر ذلك “من أعظم القربات إلى الله تعالى فما بالك بمن يتبرع ببعض بدنه..”، حسب تعبيره.
ويتبع القرضاوي ذلك بالقواعد الشرعية للتبرع بالأعضاء، حيث يفتي بأن التبرع بالقلب أو الكبد غير جائز، بل على المرء ألا يتبرع إلا بالأشياء المزدوجة في جسمه، كالكليتين، على أن تكون كلاهما صحيحتين تماماً، فلا يؤذي الإنسان نفسه ولا من تبرع له. وكذلك اشترط بلوغ وعدول المتبرع، ولم يجز بأن يقضي وليّ الأمر بجسد قاصر.
ويؤيد القرضاوي أيضاً التبرع بعد الموت، إذ لا يرى في ملكية الإنسان لجسده أمراً جللاً، فالملك لله حسب وصفه، ولكنه يشجع على أن يكتب ذلك في وصية، وأن تحترم رغبة الميت سلباً أو إيجاباً. ويتفق مفتي الديار المقدسة في فلسطين عكرمة صبري مع أغلب النقاط المذكورة أعلاه، مضيفاً حرمة التبرع بأيٍ من الأعضاء التناسلية.
أما في مجمع العلماء المسلمين في المملكة العربية السعودية، ففي الأمر اختلاف، حيث أفتى ابن عثيمين بالحرمة على الإطلاق، حياً أو ميتاً. بينما كان الشيخ ابن باز أكثر حذراً في التحريم، متوجساً مع ذلك من التبرع بالأعضاء بعد الموت، معتبراً ذلك شيئاً من المُثْلة.
كذلك أفتى القرضاوي بجواز التبرع والأخذ من غير المسلم، في حالة لم يكن محارباً للمسلمين، وهذا تعريف مشوش في أدبيات الفتوى، فمن غير الواضح إن كان تصنيف غير المسلم “الحربي” أو “المحارب” يعود لانتمائه لدولة تحارب المسلمين، أو لكونه فرداً محارباً للمسلمين. يضيف القرضاوي جملةً تزيد الأمر تعقيداً فيقول: “ومثله عندي: الذي يقاتلهم (يقصد المسلمين) في ميدان الفكر والتشويش على الإسلام.”
وفي الفتوى ذاتها على موقع إسلام ويب المعروف بانتمائه لتيار الإخوان المسلمين المتشدد، يؤكد القرضاي حرمة التبرع للمرتد عن الإسلام.
الكثير من شيوخ الدين، ومنهم القرضاوي، أفتوا بحرمة بيع أو شراء الأعضاء، وإجابة الأزهري الدكتور علي جمعة على الموضوع تدل على وعي بأهمية التشاريع القانونية، حيث يضع في المرتبة الأولى حماية الأفراد والأطفال خاصةً من التعرض للاختطاف بهدف الإتجار بالأعضاء.
أزمة التبرع بالأعضاء في ألمانيا
الموقف من التبرع بالأعضاء محكوم بأسس قانونية وقرارات أخلاقية ومجتمعية وشخصية. والتبرع أمرٌ مرغوب به في ألمانيا، وتشجع عليه الحكومة من خلال عدة برامج.
وبحسب احصائيات المنظمة الألمانية لزراعة الأعضاء فإن نسبة المتبرعين بعد الوفاة انخفضت انخفاضاً ملحوظاً منذ 2010 حتى اليوم، وبنسبة 2.4% بالمقارنة مع العام الماضي. الأمر يعتبر كارثياً بالنظر للفارق بين المتبرعين والأشخاص على لوائح الانتظار. وهذا دفع الائتلاف الحالكم للتوجه للبرلمان الألماني في محاولة لتسهيل الحصول على الأعضاء من خلال تغيير عملية “الموافقة”.
وقد يبدو أن مقترحاً للائتلاف الحاكم سيمر بسهولة في البرلمان، فغالبية أعضاء البرلمان من الائتلاف الحاكم. لكن فشل تمرير القرار يعتبر إشارة أخرى لعدم التوازن في الفكر والأهداف داخل ائتلاف CDU/SPD وابتعاد كلا الحزبين عن ناخبيهم المتأرجحين على طرفي الوسط.
ولتوضيح ذلك نذكر أن تنظيم عملية نقل وزرع الأعضاء بعد الوفاة وفق القوانين الأوروبية له أسلوبان:
- الأول هو تحري الموافقة Zustimmungslösung
حيث على المتوفي أن يكون قد أقر خلال حياته أنه موافق على التبرع بأحد أو كل أعضائه. يرسل التأمين الصحي العام رسائل بريد بشكل دوري، مرفقة ببطاقة هوية يستطيع الشخص الاختيار فيها إن كان موافقاً على التبرع أم لا. بإمكان الشخص إخطار التأمين الصحي أو الاحتفاظ بهوية التبرع بمحفظته كإشعار على الموافقة. وفي حال عدم وجود موافقة صريحة لا يتم التبرع.
- الثاني هو تحري الرفض Widerspruchslösung
حيث يمكن للمشفى أو الفريق الطبي نقل الأعضاء من الأشخاص المتوفين في حال عدم وجود أي دليل على رفض الشخص لعملية التبرع. الدول باللون الأصفر تمثل الدول التي تتبع هذا القانون، مع الإشارة إلى أنه في كثير من هذه الدول يملك أهل المتوفى الحق برفض التبرع رغم عدم وجود أي رفض للمتوفى ذاته. تبقى المعضلة في إثبات الرفض من عدمه “بطريقة نزيهة” في حال عدم حضور العائلة.
كان الائتلاف الحاكم في ألمانيا يأمل بتمرير مشروع القرار، لتغيير تنظيم عملية التبرع من تحري الموافقة إلى تحري الرفض. وبرغم فشل القرار فهذا يعبر عن توجه حكومي للتدخل بحرية الأفراد ضمن مبدأ “إن لم تعترض فأنت على الغالب موافق”.
المهاجرون ومآلُ أعضائهم..
إن تفاوت الأوضاع الاقتصادية\الاجتماعية ما بين دول جنوب الكوكب وشمال الكوكب ينعكس بوضوح على العلاقة الاستغلالية التي تفرضها بلدان العالم الأول في هذا المجال. والإتجار بالأعضاء بالتراضي مثال واضح عن هذه العلاقة، حيث يتبضع من يملك المال صحته الجسدية من مواطني البلدان الأقل حظاً. فرق سعر صرف العملات يلعب دوراً كبيراً في هذه السوق السوداء، تاركاً قيمة الإنسان ذاته محل تساؤل.
ناهيك عن الخلل الاقتصاد السياسي في علاقة البائع والمشتري في تجارة الأعضاء بالتراضي، فإن تجارة الأعضاء “من غير تراضي” تزيد للمشهد بعداً إجرامياً لا أخلاقياً على المستوى الدولي، مع ازدياد التقارير عن المنظمات الدولية للإتجار بالأعضاء، خصوصاً من مناطق النزاع، ومنها سوريا. ولا تخلو جموع المهاجرين السوريين في ألمانيا من ضحايا هذه التجارة، ويمكن أن نتوقع رفضهم للتبرع بشكلٍ عام نتيجة معاناتهم تلك.
أضف إلى ذلك أن شعور الفرد بالانتماء للمجتمع الألماني، سيلعب دوراً كبيراً في قراره بشأن مآل أعضائه، وفي المقابل لن يساعد الموقف السلبي للإعلام الذي يعتبر اللاجئين غرباء أو مجرمين، لن يساعد بتحسين نسبة المتبرعين من بينهم. ولن تساعد في ذلك أيضاً سياسات اللجوء القاصرة والتي قد تنتهي بعزل جزء كبير من المهاجرين ولومهم على عدم قطع شوط الاندماج كاملاً نحو الـ Leitkultur.
في الوقت الراهن ما بين فتاوى “الملك لله” و”الملك للدولة ما لم تعترض” مايزال بإمكان المهاجرين الاحتفاظ بحق تقرير مصير أجسادهم وإلى أين تؤول بعد الوفاة.
اقرأ/ي أيضاً:
طعام الحلال في بلاد اللجوء.. ما بين الصعق الكهربائي والاندماج
هل يكون المصير المأساوي المنتظر للاجئين هو “سرير بروكرست”؟
مثل نهر حيث الفضاء شحيح: ملاحظات عن اللجوء والاندماج