تقرير رشا الخضراء – إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
الإيدز، ذاك المرض المتغافل عنه والفتاك الذي يرافقه العار دوماً وأبداً، يعتبر من أبرز الأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس، مما كرّس النظر إلى المصاب به باعتباره منحلّ أخلاقياً و”داير عحل شعره” كما يُقال بالعامية.
ومما يساهم في تعميق هذه الوصمة (Stigma) الدراما العربية الي تعطي صورة مجتزأة عن المرض وحيثياته، لتُدخله ضمن منحى درامي يظهر العاقبة الوخيمة لذاك “الفلتان”. والواقع يقول إن عامة الناس تأخذ معلوماتها عن هذا المرض بشكل شبه كامل من تلك الدراما في غياب شبه كامل لدور الحكومات والمؤسسات في التوعية حوله، الأمر الذي يثير التساؤل والاستغراب!
في سياق التوعية حول مرض الإيدز، يتوجب ذكر التفصيل التالي؛ عندما نقول إن الشخص مصاب بفيروس HI، لا يعني هذا أنه مصاب بالإيدز، وانما هو حامل للفيروس، وهناك فرق كبير لأن الشخص الحامل للفيروس قد يعيش على هذا النحو من 8-10 سنوات دون أن يشعر، خاصةً أن أعراض المرض المتمثلة بزكام متكرر وإنفلونزا ومن ثم طفح جلدي، هي أعراض غير نوعية وغير مستمرة، فيظن الشخص أنها وعكة صحية عابرة.
كما لا يمكن اكتشاف الفيروس عن طريق فحص الدم الروتيني، وانما من خلال فحص نوعي في أماكن خاصة. وهنا تكمن الخطورة فلو تم اكتشاف الفيروس في الوقت المناسب يمكن تناول علاج يومي مدى العمر، يجعل الشخص قادراً على العيش بطريقة طبيعية تماماً والزواج والإنجاب دون نقل الفيروس للشريك! في حين إذا تحولت الإصابة إلى حالة إيدز بتمكن الفيروس من الجسم فلا يمكن محاصرة المرض، والنهاية حتماً ستكون بالموت.
أما طرق نقل الفيروس فهي السوائل الحيوية في الجسم، أي الدم والسائل المنوي والسائل المهبلي وحليب الأم، بالتالي أي طريقة يكون فيها تماس مباشر لهذه السوائل مع بعضها ستنقل الفيروس، مثل نقل الدم الملوث، وهذا مستبعد جداً في ألمانيا بسبب نظام الضبط الصحي، أو استعمال إبر ملوثة كما يحدث عند متعاطي المخدرات أو إبر الوشم الملوثة، كما ينتقل عن طريق الجنس وخاصة الجنس الشرجي، بسبب كثرة الأوعية الدموية وسهولة نزفها في منطقة الشرج، وتتم العدوى من أول ممارسة جنسية مع الشخص الحامل للفيروس، كما ينتقل عن طريق الإرضاع. ويمكن أن ينتقل الفيروس طبعاً بشكل قسري مثل الاغتصاب وهنا للأسف تُظلم الضحية مرتين!
ومن الجدير بالذكر أن المرأة الحامل المصابة بالفيروس قد تلد طفلاً سليماً لا يحمل الفيروس بنسبة قد تصل إلى 70%! كما أن تناول العلاج بشكل منتظم يحمى المولود تماماً من العدوى، وهذا يُبرز الأهمية القصوى لتحليل الدم والكشف عن الفيروس في الوقت المناسب.
من المهم أن نعرّج على الفكرة المنتشرة بأن عيادة طبيب الأسنان أو الحلاق هما المكانان الأهم لانتقال فيروس الإيدز، والحقيقة أن هناك احتمال بسيط أن ينتقل بهذه الطرق وخاصة في ألمانيا بسبب نظام الضبط الصحي والتعقيم العالي الموجود، إضافةً إلى أن هذا الفيروس ضعيف جداً في الهواء الطلق، وهناك إمكانية كبيرة أن يموت قبل استخدام الآلة الحادة الملوثة، ولكن يبقى الاحتمال قائماً.
عهدنا أن نرى في المسلسلات العربية أن مريض الايدز يتم الحجر عليه ويتلقى معاملة أشبه بالمعتوهين أو المجرمين الخطرين على المجتمع، وعندما قمت بسبر معلومات ضمن عينة عشوائية من الأشخاص، وطرحت عدداً من الأسئلة حول هذا الموضوع، وعن رأيهم بضرورة الحجر الصحي للمصاب بالفيروس أو المصاب بالإيدز، أجمع الكل على وجوب هذا الحجر ضمانة لأمن المجتمع!
في ألمانيا لا يوجد حجر صحي للمصاب سواء بالفيروس أو بالإيدز، حتى أن تناول العلاج رغم أهميته القصوى اختياري لا يجبر المصاب على تناوله. ويتم فحص الدم في مراكز مخصصة وموزعة في كل ألمانيا، وفي كل منطقة في برلين بشكل مجاني، وفي بعض الأماكن مقابل مبلغ لا يتجاوز العشرة يورو وبسرية كاملة.
قمت بهذا الاستبيان بالتعاون مع منظمة Via في برلين لرفع الوعي بخصوص المرض وإظهار أهمية تحليل الدم المبكر للكشف عن الفيروس ومحاصرته.
أشكر جمعية Via (اتحاد العمل ما بين الثقافات الإقليمي برلين- براندنبورغ) لتقديمها المعلومات وتناولها لهذا الموضوع وأخص بالشكر السيدة هالة الحايك المسؤولة خصوصاً عن هذا المشروع التوعوي.
أود أن أضيف أني شخصياً واجهت صعوبة في إعداد هذا التقرير عن الإيدز بسبب إحجام الناس عن الحديث عن الموضوع، كأن مجرد ذكر كلمة إيدز تستدعي بالضرورة وصمة العار! وكنت قد سألت الأشخاص ضمن التقرير عن شعورهم تجاه المصاب، فكان الشعور يتراوح بين الشفقة والامتعاض مع عدم غياب للتعاطف. غير أني لم أضمّن هذا السؤال ضمن التقرير المصوّر بسبب الرغبة باختصار المدة ليتسنى للمشاهد متابعة الفيديو كاملاً والاستفادة من معلوماته.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً: