كريستين هاك*
كان أداء صلاة ما قبل النوم مع جدتي أحد أقدم ذكرياتي كطفلة صغيرة. جدتي كانت زوجة مزارع مجد وفقير، وكانت إنسانة دافئة وطيبة تملك يدين خشنتين ومتشققتين. عندما كنت أزورها كنت أنام تحت بطانية بطنتها من الأسفل بالريش بيديها دون مساعدة أحد. كانت ثقيلة لدرجة أني بالكاد كنت أستطيع الحركة وأنا مستلقية تحتها. فوق السرير كانت هناك صورة ليسوع الذي كان يصلي أيضًا.
حين كانت تصلي، كانت تمسك يدي الصغيرتين الناعمتين بيديها الخشنتين اللتين ملأت الحياة شقوقهما وتطلب من الله أن يحرسني في الليل. كنت أشعر أنني مقبولة وآمنة، وهذا ما شكّل حياتي وإيماني.
كانت جدتي التي تنحدر من أسرة فقيرة تحترم الله وتثق به كما تثق طفلة بوالدها. في الحرب العالمية الثانية مزقت قنبلة ذراع جدي وغدا غير قادر على أداء عمله كنجار. ساعدت جدتي مزارعين آخرين في حقولهم لكي تطعم عائلتها المكونة من ستة أفراد. لم أسمعها ولو مرة تشكو “سوف يجد الله وسيلة”، هذه العبارة كانت تختصر إيمانها. منذ أن كنت طفلة تركت أثرها في حياتي. حين كبرت، أدركت أنه ليس كل شيء في العالم مثاليًا، ولا حتى أنا.
الإيمان شكّل حياتي. أبدأ كل يوم من أيامي بالصلاة، وأصوم عدة مرات في السنة. لا أقول ذلك لكي أبدو جيدة، لكن لأسلط الضوء على أهمية إيماني بالنسبة لي. لا يؤمن الجميع في بلدي كما أفعل، وعلى الرغم من ذلك، فقد تأثر الجميع تقريبًا في ألمانيا بالكلمات والقيم التي مررها يسوع لنا. الأثر الأكثر شيوعًا ربما هو أحد التعاليم التي تقول: “أحبوا جيرانكم كما تحبون أنفسكم”. قد يبدو ذلك بسيطًا خاصة إذا تم تعريف الجار كفرد من العائلة والأصدقاء. عندما سئل يسوع عن الشخص الذي يمكن اعتباره جارًا حكى قصة رجل تعرض للسرقة والضرب وترك للموت. مر العديد من الرجال به لكن واحدًا فقط، ساعده. يتحدانا يسوع في العهد الجديد أن نحتذي بذلك الرجل الطيب عن طريق مساعدة هؤلاء الذين تم ضربهم وسرقتهم وهؤلاء الذين يعانون أو الذين عانوا من الدمار، ولهذا السبب نقوم بالمساعدة.
حين يناديني الناس أو ينادون جدتي أو ألمانًا آخرين “كفارًا” يؤلمني ذلك كثيرًا. أنا مؤمنة والله مهم جدًا في حياتي، ولهذا أشعر بالألم في أعماقي حين يقول أحدهم إني “كافرة”. نعم إيماني يختلف عن إيمان هؤلاء الذين يدعون جدتي ويدعونني “كافرة”، ولكنني لست كافرة. أنا أحترم الله وأثق به. في العالم الغربي غالبًا تتم ترجمة هذه الكلمة العربية بمعنى “غير المؤمن”. لقد قيل لي إن معناها الأصلي هو “غير الممتن”. الذين يقولون ذلك لا يرون من نحن وكيف نعيش. نحن ممتنون للأمان وللكنوز المادية والثقافية في بلدنا، ونرغب بمشاركة كل ذلك مع من أتى إلينا. بالنسبة لي أشعر بالرفض والإهانة عند نعتي بذلك.
وماذا عن هؤلاء الذين لا يستطيعون أو لا يريدون أن يؤمنوا، هؤلاء الذين يسمون أنفسهم ملحدين؟ أعتقد أن معظمهم يؤمنون على سبيل المثال بالحرية والحب والزمالة والتعلم والسلام. كلنا نؤمن بشيء ما، شيء أكبر وأجمل من ذواتنا حتى إذا لم نكن نسميه أو نصفه بالله.
إذن، ماذا نفعل حين نؤمن بالله ولا يفعل أحدهم كذلك؟ أعتقد أن علينا التحكم بأنفسنا. إذا كان الله أبديًا وقويًا فلن يهزه القليل من الشك والنقد. بعض الناس يعتقدون أنهم بحاجة لاستخدام العنف اللفظي أو الجسدي للدفاع عن شرف الله. أعتقد أن العنف هو فعل ينم عن عدم الثقة بقدرة الله الكافية للتعامل مع الموقف. وكما في حالة الحب، لا يمكننا أن نجبر أحدًا على الإيمان الذي يحتاج مناخًا من الحرية لينمو.
أتمنى أن نجد كلمة جديدة تصف الذين يؤمنون بمعتقدات مختلفة، أو لا يؤمنون بشيء. أود إيجاد كلمة تحترم ديننا والقيم التي نعيش من خلالها؛ كلمة تليق بتجربتكم الجيدة مع كثير من الألمان. تستطيعون مناداتنا ومناداة أنفسكم وحتى هؤلاء الذين لا يؤمنون بالله بـ “الذين يخوضون رحلتهم”. لا أحد منا يعرف كل الحقيقة. من يستطيع أن يفهم الله والحياة والحب تمامًا وبشكل كامل؟ من يستطيع أن يعرف بالضبط ما هو الصواب وما هو الخطأ؟ لا أحد.
بالنسبة إلي، سيكون الأمر رائعًا إذا تعلمنا ألا نهين بعضنا البعض بكلمات وكنايات سيئة. من الأفضل أن نمشي مع بعضنا البعض ونصغي ونتعلم من بعضنا البعض، كهؤلاء الذين ما زالوا في رحلتهم، مثلنا.
لدينا أكثر مما ينبغي من العنف والكره في هذا العالم، ولا نحتاج إلى المزيد. ليس من المفيد لأي كان أن نلعن ونستحقر الآخرين أو أن نزرع بذرة الكراهية والخلاف. أجد ذلك مريعًا وأناشدكم أن تقفوا مع هؤلاء الذين تساء معاملتهم ويتم توبيخهم حولكم لأن عقيدتهم مختلفة. رجاء افعلوا ما بوسعكم لتحقيق السلام. جادلوا بكل شيء تعرفونه لحماية الآخرين؛ ناقشوا بالحس الإنساني العام، بأن القرآن يأمر بمعاملة أهل الكتاب باحترام. كونوا أشخاصًا يحققون السلام، هذا رائع، فالسلام يؤمن مستقبلاً لنا جميعًا. وأيضًا فإن بركة الله تحل على هؤلاء الذين يصنعون السلام.
*ترجمة: سرى علوش