رغم الوضع الصعب التي تمر به بلادهم، والمعاناة داخلها وخارجها، إلا أن السوريين مازالوا مصرين على الحياة والنجاح أينما حلوا، وبينما يعتبر أي إنجاز لسوري نجاحًا شخصيًا، إلا أن السوريين يحتفلون به ليكون أحد مصادر الفرح القليلة لهم، وهكذا أسعدتهم هاجر القطيفان، ابنة مدينة درعا بحصولها على المركز الأول في الثانوية العامة على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تقيم هي وعائلتها، ويذكر أن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، اتصل شخصيًا بهاجر لتهنئتها على هذا الإنجاز الذي يضاف له؛ أن هاجر حققت هذا المعدل المميز 99.9 % للفرع العلمي، رغم ظروفها العائلية الخاصة جدًا، التي تصفها هاجر: “أرغب بدراسة الطب في جامعة الإمارات، لأكون قريبة من أمي وأبي المرضى، والدي مصاب بجلطة، وأمي مريضة بالسرطان، وأقوم برعاية أشقائي الستة“.
وتقديرا لتفوقها وتميزها الدراسي، تمكنت هاجر من دخول كلية الطب بجامعة الإمارات استثنائيا بتوجيهات من الشيخ حمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث تقتصر الدراسة في هذه الجامعة عادة على الإماراتيين، بينما تكفلت الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بعلاج والدي هاجر، تقديرا منها لإنجاز هاجر رغم كل الظروف، كما أكدت على دعمها للتوجهات التي تضمن بيئة مثالية لتعليم المرأة، وتوفير التعليم لكل طالب وطالبة يقيمون على أراضي دولة الإمارت.
وعن سر هذا النجاح تخبرنا هاجر: “تنظيم الوقت والاستذكار لعدد مناسب من الساعات، والتركيز جيدًا خلال الشرح داخل الصف، والإفادة من برامج التقوية التي تنظمها المدرسة، كلها عوامل مهمة ساهمت في تحقيق هذا التفوق، إلا أن الرهان يبقى في النهاية على توفيق المولى عز وجل، وهو ما أعول عليه كثيرًا في كل شؤون حياتي”.
يطل فرحٌ سوري آخر، ولكن هذه المرة من النرويج، حيث حققت الطالبة ليلاس الزعيم، علامات كاملة في 15 مادة مختلفة في المرحلة الثانوية-الفرع العلمي، لتحقق بذلك معدل 6.1 وهو معدل متفوق بنقطة واحدة عن المعدل المطلوب لدراسة الطب، ورغم أن ليلاس ابنة العشرين عاما انتقلت واسرتها قبل 3 سنوات فقط إلى النرويج بسبب ظروف بلادها، ورغم المعيقات واختلاف الثقافة واللغة، بالإضافة لقضائها وقتًا طويلاً بانتظار حصولها على حق اللجوء في النرويج، استطاعت تجاوز كل ذلك لتتفوق وتحقق حلمها بدراسة الطب هي الأخرى، تقول ليلاس: “بالطبع ليس من السهل الحصول على هذه العلامات، لقد عملت بجد وبجهد متواصل خلال السنوات الماضية، وفي فترة الامتحانات كنت أبقى لساعات طويلة في المنزل دون أن أخرج إلى أي مكان، ولكن بالرغم من ذلك، كانت لدي حياتي الاجتماعية، ففي بعض الأحيان كنت أخرج مع أصدقائي، كما إنني حصلت على عمل كمترجمة بالإضافة الى دراستي”.
وأما عن سبب رغبتها بدراسة الطب تخبرنا ليلاس: “نحن بحاجة إلى حياة جيدة.. ليس لأنني حصلت على درجات عالية أريد دراسة الطب، وإنما هي من أحد اهتماماتي، بالإضافة إلى أنني أحب مساعدة الآخرين. هنالك دائمًا حاجة إلى أطباء في كل مكان في بلدي أو في النرويج، وأريد أن أقدم شيئًا إلى بلدي الثاني النرويج التي قدمت لي ولعائلتي الكثير، وأريد أن أقدم شيئًا لبلدي سوريا في المستقبل، وعلاوة على ذلك لدي اهتمام كبير بموضوع الأبحاث العلمية”. وتضيف عن تجربتها مع الصعوبات الدراسية للقادمين الجدد إلى أوروبا من السوريين: “في السنة الأولى؛ كان من الصعب الحصول على درجات عالية وذلك لأنني لم أكن قادرة على تكلم اللغة النرويجية بشكل ممتاز، بالإضافة إلى وجودي بسكن تابع لدائرة الهجرة، وعدم حصولنا على الإقامة وقتها كان من الصعب التركيز”. لكن ليلاس حققت أيضا العلامة الكاملة بمادة اللغة النرويجية، الأمر الذي عبر عنه أستاذ اللغة والتاريخ النرويجيين (Knut Tjosevik) لتلفزيون (T.v 2): “قدمت إلى النرويج قبل ثلاث سنوات فقط، وبالحديث عن حصولها على العلامة الكاملة في مادة اللغة، فهذا أمر مدهش للغاية! وذلك مقارنة بالفترة الزمنية القصيرة التي تواجدت فيها في النرويج، هناك عدد قليل من الطلاب القادرين على الحصول على العلامة الكاملة، حتى بالنسبة للطلاب النرويجيين، وهذا يبين مدى التزامها وتفانيها وعملها المجد”.
وبحسب ذات المصدر، علقت أستاذة البيولوجيا في مدرسة سفيثون بعد أن حصلت ليلاس على العلامة الكاملة في المادة أيضا: “طالبة واحدة فقط استطاعت الحصول على هذه العلامة سابقًا”.
وأما عن رأي ليلاس بهذه التجربة: “رغم التحديات، وصلت إلى هدفي، وأتمنى أن أكون نموذجًا يحتذى به للاجئين السوريين، وأن أكون مصدر إلهام لهم، بأن بإمكانهم الوصول الى أهدافهم على الرغم من كل الصعوبات التي قد تواجههم في النرويج أو في أي بلد أخر”.