قام أبٌ سوريٌ بإهداء ما أحضره معه من حلب من صابون وأوراق غار وحلويات بالفستق لناشط ألماني يراه لأول مرة إكرامًا لجهده في لمّ شمله بأهله بعد أن تمكن من لقاء ابنه في ألمانيا.
ويواجه كثير من السوريين في ألمانيا صعوبات في مساعدة أقاربهم الذين ما زالوا في سوريا على الانتقال إلى الأمان، وذلك بسبب تشديد القيود الحدودية في أوروبا وقواعد اللجوء، بالإضافة إلى الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا للحد من عبور المهاجرين بحراً إلى اليونان.
استطاع أبٌ سوري يبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا أن يلتقي أخيرًا بابنه الأصغر بعد أن وصل إلى ألمانيا هاربًا من حلب. وتمكن من ذلك بفضل مساعدة الألماني مارتن فيجور، الذي يعمل مهندساً وهو أبٌ لأربعة أولاد.
فيجور أحد الناشطين في جمعية “الآباء الروحيين للاجئين”، وهي منظمة غير ربحية تعمل على إيجاد مواطنين ألمان يتكفلون بمساعدة السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا على جلب أقاربهم من الخارج.
حيث أن وصول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا عام 2015 دفع بالحكومة الألمانية إلى تشديد قواعد اللجوء ولمّ الشمل حتى لأسر من حصلوا على وضع لاجئ، الأمر الذي زاد الوضع سوءاً.
أسس مارتن كيونه، الذي يملك وكالة إعلانات، جمعية “الآباء الروحيون للاجئين” في العام الماضي بعد أن طلب منه سوريان من طالبي اللجوء كان يؤيهما أن يساعدهما في جلب آبائهما. وحفزه على ذلك قصة عم زوجته اليهودي الذي نجا من المحرقة بفضل زوجين بريطانيين تبنياه، في حين أرسل بقية أفراد أسرته إلى معسكر كراكاو التابع لألمانيا النازية في بولندا، حيث قضوا جميعاً.
ومنذ مارس/ آذار عام 2015 عثرت جمعية الآباء الروحيين على كفلاء لـ103 سوريين كان لنحو ثلثيهم أقارب يعيشون في برلين. أما الباقون فينتظرون الحصول على تصاريح إقامة لمدة عامين في القنصليات الألمانية بلبنان وتركيا.
لكن لا يمكن للجمعية أن تكفل سوى السوريين الذين يسعون للم شملهم مع فرد واحد على الأقل من أسرهم، مثل الزوج أو الزوجة أو الابن أو الابنة أو الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت ممن أقاموا في ألمانيا لمدة لا تقل عن عام. وتعتمد الجمعية على التبرعات التي يدفعها أعضاؤها البالغ عددهم 2200 لتدبير 800 يورو شهرياً يحتاج إليها كل سوري. ويغطي هذا المبلغ إيجار المسكن والتأمين الصحي ومصروف شهري يبلغ 400 يورو يعادل ما تدفعه الحكومة للألمان العاطلين عن العمل.
ولا يتولى الآباء الروحيون تمويل الوافدين السوريين مباشرة، بل يتحملون المسؤولية القانونية عن توفير تكاليف إعاشتهم لمدة خمس سنوات حتى لو تقدموا في تلك الفترة بطلب للحصول على وضع لاجئ وحصلوا عليه بالفعل.
وتمكن مهند، البالغ من العمر 36 عاماً، والذي جاء إلى ألمانيا منذ عشر سنوات في إطار برنامج للتبادل الثقافي، ويعمل في جمعية خيرية للاجئين ببرلين، أخيرًا من لمّ الشمل لأسرته بعد محاولاتٍ فاشلة منذ عام 2012. مضيفاً: “عندما بدأت دراسة القوانين بشأن لمّ الشمل، تملكني اليأس”. فالسلطات الألمانية تحدد مبلغ 2160 يورو كحد أدنى لأي كفيل يرغب في جلب فرد واحد من أفراد أسرته. ويمثل هذا المبلغ متوسط الأجر الصافي في ألمانيا. إلا أن راتب مهند أدنى من هذا المبلغ لذلك لم يتمكن من كفالة أسرته.
وقد وقع فيجور إقراراً في مكتب تسجيل الأجانب ببرلين قبل فيه أن يتحمل مسؤولية والد مهند وشقيقه وكذلك والدته التي ما زالت تعيش في حلب.
وكانت ألمانيا قد استقبلت 1.1 مليون لاجئ في العام الماضي، مثل السوريون 35 في المائة منهم. وقد أدى تدفق اللاجئين إلى صعود نجم حزب “البديل من أجل ألمانيا” المعارض للهجرة، والذي وصل إلى برلمانات ثلاث ولايات في انتخابات جرت شهر مارس/ آذار، وذلك عبر استمالة الناخبين المستاءين من ترحيب المستشارة أنغيلا ميركل باللاجئين.
وقال فيجور، المسيحي الكاثوليكي: “لا يسعني سوى تشجيع الناس على الاتصال باللاجئين لأن مواقفهم ستتغير عندئذ”.
م.م/ ي.أ (رويترز)