عماد جهاد ابراهيم. كاتب من سوريا
كتب غابرييل غارسيا ماركيز في رائعته الحب في زمن الكوليرا: إن الحب موجود في كل مكان وزمان لكنه يشتد كثافةً كلما اقترب من الموت.
وهكذا يقف الأطباء السوريون قريباً من الموت، على الخطوط الأمامية في مواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19). يتحملون مخاطر كبيرة في سعيهم لإنقاذ المرضى علاوة على الضغوط النفسية الكبيرة وهم يرون من يفقدون حياتهم جراء المرض.
للطبيب مكانةٌ شبه مقدسة في مخيلة الإنسانية بصفته سلطة المعرفة والأخلاق، وتتعاظم هيبته في أوقات الأوبئة التي يتحلى أثناءها الأطباء بشجاعة الفرسان في عصور غابرة، وكما يذهب الجنود إلى الحرب دفاعاً عن قضية قد لا تكون قضيتهم، يذهب الأطباء إلى المشافي بمحض إرادتهم هذه الأيام، وهم يعرفون أن احتمالات إصابتهم بالفيروس، وربما موتهم واردة جداً. وقد أثيرت مخاوف بشأن الآثار النفسية التي تتركها قرارات أعضاء الفرق الطبية، إذ يجري الأطباء الذين يتخذون هذه القرارات محادثات جماعية لدعم بعضهم البعض، ولا شك أن قرار تقديم العلاج لمرضى، وحرمان آخرين منه هو أصعب قرار قد يتخذه أي طبيبٌ في حياته العملية.
لا نبالغ إن قلنا إن الجائحة الحالية من أشد صدمات العصر الحديث. فضلاً عن تداعياتها الصحية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وهي بلا شك ستترك آثاراً عميقة في النفوس، وتداعيات نفسية من قلق حاد، وخوفٍ واضطرابات في الأكل والنوم والمزاج.
خسارة الطبيب ليست مجرد خسارة فرد، بل هي تهديدٌ لحياة عشرات المرضى
لابد من التنويه إلى أن خطر إصابة العاملين في القطاع الصحي بلغ عشرة بالمائة من مجمل الإصابات في العالم، ومع ما لهذه الأرقام من معاني كارثية فإن نظرةً سريعة على واقع الأطباء في سوريا سيجعلنا ندرك أن آثار انتشار الوباء محلياً مع غياب الإجراءات اللازمة ستكون أضعاف آثاره عالمياً، إذ خسرت البلاد في السنوات العشر الماضية، مئات المنشآت الصحية كلياً أو جزئياً، وفقدت آلاف العاملين الطبيين بسبب الهجرة أو الموت، ليعمق فيروس كورونا جراح ما تبقى من جسد القطاع الصحي المنهك، فخطف في أشهرٍ قليلة بعضاً من خيرة أطباء سوريا.
وبغياب الإحصاءات الرسمية والأرقام الحقيقية نأمل فقط ألا تكون الكارثة أكبر مما أحصته شاشاتنا في الأيام الماضية. فخسارة الطبيب ليست مجرد خسارة فرد، بل هي تهديدٌ لحياة عشرات المرضى ممن كانوا بانتظار مشورتهم علاجهم.
ولعل أكثر ما يؤلم في خسارة هذا العدد من الأطباء هو إمكانية تفادي أو تخفيف رحيلهم بتوفير وسائل الوقاية والحماية اللازمة، وبتطبيق أنظمة تعقيم ومتابعة أكثر صرامة ضمن المشافي وخارجها.
كان من المؤسف أيضاً رد فعل الناس في بعض المناطق والذي وصل حد الترهيب، كرفض أهالي إحدى القرى دفن طبيب مات بعد إصابته بالفيروس ولم يتم دفنه إلا بعد تدخل الشرطة لتفريق الأهالي، وهذا الأمر تكرر في عدة بلدات وقرى.
كما عانى بعض أفراد الطواقم الطبية من التنمر والمضايقات والاتهامات. فوصل الأمر إلى تجمهر عدد من الأهالي لطرد طبيبة تعالج مصابي فيروس كورونا ومنع دخولها المنزل خشية انتقال العدوى إليهم.
أنحني تقديراً لتضحيات الأطباء والعاملين في المجال الصحي، وعزائي لعائلاتهم وطلابهم ومرضاهم بخسارةٍ لن تعوض، لعل هذه الخسارة تدق ناقوس الخطر لحماية ودعم صناع الحياة من الأطباء المعالجين والباحثين في المشافي والمختبرات.
اقرأ/ي أيضاً:
كورونا في العالم أجمع.. وكورونا في سوريا!
الأمم المتحدة: أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا وتفشي كورونا قد يتسارع في البلاد