نهى الجعفري*
في كل عام، ومع اقتراب اليوم العالمي لحقوق المرأة في الثامن من آذار، أسأل نفسي مجدداً: هل تحتاج المرأة ليوم عالمي للتذكير بحقوقها؟ وهل يكفي يوم واحد في السنة، لنقول لمن حولنا بأن هذه الحقوق هي ببساطة حقوق الإنسان ذاتها؟
مللنا من العبارات الرنانة منذ الصغر عن أن المرأة هي نصف المجتمع، وهي الكيان الداخلي للأسرة وقلبها النابض، وهي سر نجاح الرجل، فهي الأم والمربية والمعلمة والزوجة والابنة، وهي التي تصنع الأجيال… ولا شيء حولنا يعكس هذه العبارات على أرض الواقع.
ما زلت بحكم عملي كطبيبة أواجه يومياً أمثلةً عديدة عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، من خلال قصصٍ مؤسفةٍ ترويها بعض المريضات، اللواتي يرتدن عيادتي النسائية. نساء تعرضن للضرب، أو الاغتصاب، أو التعنيف اللفظي والجسدي. حتى تكاد تصل نسبة من تعرضن للتعنيف الجسدي إلى 30-40%، أما التعنيف اللفظي فتكاد النسب تقارب 60-70%. وأذكر حالاتٍ عانت من هذا التعنيف الممتد، والكلام الجارح من الأهل والزوج، وربما من صاحب العمل أيضاً لفترات طويلة، دون إدراك هؤلاء لحجم المعاناة النفسية التي يتسببون بها. فهل هذا الأسلوب هو سلطة يتسابق الجميع للحصول عليها.
إحدى السيدات كانت في السبعينات من عمرها، زارت عيادتي لتشكو من ألم غير مفسر، ومن خلال حديثي معها بدأت تشكو وهي تبكي بحرقة من أنها تتعرض للإهانة أمام زوجات أولادها، وهذا ما يسبب لها الألم الشديد والإحراج والشعور بأنها الأصغر والأحقر. للأسف، لم يكتفِ الزوج بإمضاء ما يقارب الخمسين عاماً في توجيه الشتائم والإساءة لزوجته وأم أطفاله، فهو يتابع الأسلوب نفسه، بعد أن بلغ كلاهما هذا العمر. قالت السيدة “كنت صغيرة، وتلقيت الإهانة أمام أهله بصمت، أما الآن فأنا سيدة عجوز، كيف لي أن أحتمل عدم الاحترام أمام الآخرين؟ وهل بعد كل ما حصل ستحترمني زوجة ابني وأنا مهانة ومكسورة؟”
بالتأكيد أحزنني حالها ولم يعجبني انكسارها. المأساة هي أنها واحدةٌ من نساءٍ كثيرات سكتنَ وقبلنَ بالتضحية من أجل أولادهنّ. لكنّ السؤال هنا هو: من أعطى هذا الرجل أو غيره هذا الحق؟ من بارك له بالتعدي وممارسة الضغط النفسي أو الجسدي على زوجته أو ابنته أو أخته؟ هل هو رداءٌ لا بدّ منه ليكتمل مسمى الرجولة؟ وهل سكوتها هو السبب؟ أم أنه مجتمع يفرض على النساء الخضوع على يد ظالم، دون منح أي بدائل؟
لو فكر هذا الرجل قليلاً بعقله المحدود، لربما استطاع أن يميز بأن من ينعتها بهذه الصفات السيئة، هي إنسانة اقترن اسمها باسمه، حملت في أحشائها أولاده وربتهم، وتحقيره لها هو تحقير لذاته، ولكن مجموعةً من العقد النفسية، مع أفكار مغلوطة عن الرجولة اجتمعت، ليطبقها على الحلقة الأضعف، وهذا على ما يبدو جزء من ثقافة وتقاليد بالية، تُكرّس سلطة الرجل الأقوى.
آن الأوان لندرك أن حقوق المرأة ليست فضلاً من أحد، وهي مساوية بها للرجل كما تساويه في الواجبات، وأن المبادئ الإنسانية الأساسية، كالكرامة والحرية والمساواة بعيداً عن الخوف والاستغلال والتمييز، لا تختلف عليها الدساتير والقوانين المتحضرة، في المجتمعات التي أثبتت حتى الآن أنها الأكثر صحةً وعدالةً وازدهار.
*نهى الجعفري. طبيبة سورية مقيمة في ألمانيا
اقرأ أيضاً: