زيد شحاثة. كاتب من العراق
ماذا سيكتب عنا التاريخ ؟!
يخاف العرب كثيراً على صورتهم التي يراها الناس عنهم، فنراهم كثيراً ما يهتمون بما يظهر منهم، الشكل والهيئة والمظهر العام، بل والانطباع الذي يتولد عنهم لدى الأخرين.. ويعطون لذلك أهمية كبرى فوق ما تستحق، وخصوصاً زعماؤنا وكبراؤنا وقادتنا..
وهل هناك موضوع أهم من ذلك؟! أوليس كلٌ منا يريد أن تنقل عنه صورة إيجابية وجميلة وزاهية وبراقة، ويكون محبوباً لدى الجماهير؟!
يركز “كبراؤنا” كثيراً على تلميع صورتهم، ويصرفون المبالغ الطائلة على ذلك، فيظهرون بمظهر المحسن النزيه والقائد المغوار “في خطاباتهم طبعاً” وممن لا يدخرون جهداً في خدمة أمتهم ووطنهم، بل ويُظهرون إستعداداً عالياً للتضحية في سبيلهما.. أليس كذلك؟!
بنفس السياق، فهم لا يترددون في لصق أبشع التهم والصفات بخصومهم وأعدائهم، حقيقيةً كانت أو مختلقة.. وهم يفعلون ذلك، لإظهار الفرق الكبير بينهم وبين هؤلاء، ومدى رفعة “مبادئهم وقيمهم” مقارنةً بالأخرين، وهذه طريقة يبدو أنها ناجعة ناجحة، فإن لم تكن تملك ما تفخر به، انتقص وأسقط الآخرين ليعلو نجمك!
كل هذا يدور حول فكرة واحدة تؤرقنا، تتعلق بالكيفية التي سيذكرنا التاريخ بها، عندما تحفظ وتؤرخ فترتنا التي نعيش فيها، من خلال كتب أو من خلال ذاكرة من يعايشوننا ومن ثم ينقلونها لمن بعدهم من أجيال.
بالتأكيد سيُذكر العرب لا بأنهم خير أمة أخرجت للناس، بل الأمة التي أبيدت بعض شعوبها على يد شعوب شقيقة لها، فيما كان الباقي يتفرج.. وبأنهم الذين استباحتهم دويلة إسرائيل حد الخزي وكانوا يهرولون متوسلين أن تقبل التطبيع معهم!
هل هذا يكفي كذكر طيب وحسن لنا؟!..لا أكيد، فهم سيذكرون أننا كنا نُضرب بقنابل نحن ندفع ثمنها، وأننا نجبر أن نبيع نفطنا بثمن يحدده أعداؤنا، وأننا نتغنى ليلاً نهاراً بمبادئ وأخلاقيات ودولة محمد بن عبد الله وعلي بن أبي طالب، لكننا نسينا حتى أننا عرب كما نزعم!
هل هذا يخص العرب وحدهم؟! هذه قسوة وجلد للذات، فهناك أخرون مثلنا، نعم فنحن نشترك معهم بأننا، أمة محمد عليه وآله أفضل الصلوات، حينما باسم الدين ذبحنا بعضنا، وصرنا باسم الإسلام، أطيب وأرق وأرحم دين، قدمنا أفظع وأوحش وأسوأ نموذج يمكن تقديمه، فصدرنا القاعدة وداعش والنصرة ولا ندري ماذا بعد!
ما هذا الكلام المليء الحاقد! فكله كلام غير صحيح، أو ربما يكون صحيحاً.. لكن التاريخ سيكون لنا، فالتاريخ يكتبه المنتصرون.. وسنكتب ما نريد عن فتوحاتنا وعن القسط والعدل لدى حكامنا، وعن حكوماتنا ودولتنا الإسلامية، وعن خيرنا وثرواتنا الكثيرة التي أعطيناها للدنيا كلها دوناً عن أهلنا، وعن العلم والمعرفة التي نشرناها في الدنيا، ونحن سننتصر عاجلاً أو آجلاً.. سننتصر!
هل حقاً سننتصر؟!
مواد أخرى للكاتب:
خطوطنا الحمراء… والخضراء أيضاً