د. بطرس المعري*
نقول فيما بيننا عن فلان من الناس إنه “مُتعصِّب”، فهو يُميّز بين معارفه تبعاً لأصولهم أو عقيدتهم أو لبلدهم. وتحلّ كلمة “عنصرية” racisme، محل كلمة “تَعَصُّب” حين يخرج المرء من بلده، طلباً للعلم أو العمل أو هرباً من الموت كأغلب المهاجرين الجدد الذين قدموا إلى أوروبا.
كلمة “عنصري” هي من أوائل الكلمات التي يتعلّمها الأجنبي في بلاد الغرب، وغالباً من يكون وراء تعليمه إياها أحد أبناء جلدته ممن لهم “باع” طويل في التغرب، ويريد بها الحطَّ من أخلاق سكان الغرب أو تحميلهم فشله في العمل أو الدراسة، أو في أحسن الأحوال لمجرد التبرم و”النق”، لكن يبقى التساؤل في وجه أيٍ كان هل أنت عنصري.
فمدير الشركة أو الورشة عنصري، وأستاذ المادة الفلانية عُنصري، وسكرتيرة البروفسور الفلاني عنصرية، كذلك بائعة الخبز تشمئز من لكنتهم! وأخيراً، فالغرب بأسره عنصري لأنه لا يراعي في كثير من الأحيان عادات وتقاليد الفوضى والكسل وعدم احترام الدور والمواعيد!
لا يخلو الأمر بالطبع من الصحة ولكن هل نحن غير عنصريين؟ ألا نميّز بين الناس تبعاً لأصولهم؟ وهل السخرية من الآخرين، التي نتقنها بامتياز ونبدع فيها، تخلو من العنصرية؟ أليس من المألوف لدينا حين نريد أن نصف أحداً بشرته سمراء داكنة أن نقول عنه: “عبد أسود”؟ وكذلك أن ننعت أحدهم إن لم يحسن التصرف بلياقة مدنية بأنه: “شاوي” أو “بدوي” أو “فلاح”؟! فنعتبر أن هذه الكلمات الثلاثة الأخيرة هي صفات ذميمة!
أما بالنسبة للعنصرية الدينية فحدّث ولا حرج! فعلى الرغم من الشعارات التي يرفعها الكثير منّا حول التآخي بين الأديان والمذاهب، لكنه تآخٍ موجود ما وُجدت المصالح بين الأطراف وما وُجدَ الرخاء والعصا! ولنسأل أنفسنا، نحنا من نقيم في أوروبا في ظل صعود يمين متطرف، هل نحن أقل عنصرية منه؟
لينتبه كلٌ منا إلى أصحابه الذين اختارهم هنا وليعاشرهم، من هم، وأين التقى بهم، ومن أي طائفة أو دين يتحدّرون؟ هل ينظر السوري على سبيل المثال إلى أخيه السوري من مبدأ أنه سوري أولاً وأخيراً؟
ألا ينظر كثير من السوريون إلى الألماني على أنه مسيحي، وإلى التركي على أنه مسلم سني، وإلى الإيراني على أنه شيعي؟ أسئلة فجة يجب أن نجيب عليها نحن أنفسنا أولاً قبل أن نحاكم الغير، هذا الذي كنّا نشاركه العيش في البلد أو ذاك الذي نشاركه حالياً بلاده.
السؤال بسيط.. هل أنت عنصري ؟؟
د. بطرس المعري فنان وكاتب سوري مقيم في ألمانيا