إعداد ميساء سلامة فولف
في هذه الزاوية نعرّفُ القراء بشخصيات من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ سنواتٍ طويلة، وتمكنوا من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم بعيداً عن أشكال وحدود الانتماء التقليدي، وحققوا نجاحات في مجالاتٍ عديدة، فاحتضنتهم هذه البلاد وصارت لهم وطناً.
ولدت الصحافية ميسون ملحم في مدينة اللاذقية في سوريا، وأمضت فيها 23 سنة من عمرها. بدأت علاقتها الخاصة مع اللغة منذ طفولتها الأولى: “أخبرتني أمي أني بدأت أتكلم في عمر التسعة أشهر، وعندما أتممتُ السنة كنت أفتح أحاديث مع الآخرين. كنت فضولية جداً وأحب الاكتشاف. وأعتقد أن هاتين الخصلتين، الثرثرة والفضول، كانتا المؤشر الأول على حبي للصحافة”.
ومع ذلك لم تتوجه ميسون ملحم لدراسة الصحافة في سوريا، ربما بسبب صعوبة العمل الصحفي في ظل نظام الحكم هناك. بعد الثانوية اختارت دراسة تخصص علمي هو الهندسة المعلوماتية. لم يكن ذلك قراراً نابعاً عن رغبة، بل نتيجة المعدل الذي حصّلته في البكالوريا، وأقنعت نفسها بهذا لحبها مادة الرياضيات.
بعد مرور ثلاث سنوات على بداية دراستها في جامعة تشرين وجدت نفسها تهرب من محاضرات البرمجة وأنظمة تشغيل الكمبيوتر والاتصالات وما إلى ذلك لتجلس في مدرجات كلية الأدب الإنكليزي وتستمع إلى محاضرات حول دي إتش لورنس وفيرجينيا وولف أو ساموئيل بيكيت أو ت.إس. إيليوت.. حينها أيقنت أنها اختارت الفرع الخطأ، وحزمت أمرها على دراسة الأدب بعد التخرج في الهندسة المعلوماتية.
تقول ميسون: “بقرار فطري اخترت الأدب الألماني، ربما بسبب قراءتي أعمال كافكا وماكس فريش بالعربية وشعوري بخسارة كبيرة لو حرمت من قراءتها بلغتها الأم”.
وصلت ميسون ملحم إلى ألمانيا في ربيع 2006 وبدأت بدراسة الأدب الألماني في خريف العام نفسه. كانت تلك التجربة من أصعب مراحل حياتها. فقد كانت الطالبة الأجنبية الوحيدة في فرعها، والآخرون يدرسون بلغتهم الأم، وهي ما تزال في طور تعلم اللغة فعلياً، وبذلك لم تعد من بين المتفوقين بين نظرائها.
كانت كل خطوة في الجامعة تبدو مستحيلة في البداية. لكن بعد القفز في الماء البارد -كما يقال بالألمانية- لم يبقَ إلا خيار العوم. يصبح الفشل خارج الخيارات. وبالفعل نجحت في الجامعة.
بعد سنتين في جامعة دريسدن التقنية وكسر حاجز الخوف، بدأت التفكير في المهنة التي ستعمل بها بعد تخرجها.تذكرت حبها للكلام واكتشاف العوالم الجديدة، وبدأت رحلة البحث عن السبيل لدخول عالم الصحافة.
راسلت العديد من الصحف العربية بهدف إجراء تدريب لديها لكنها لم تحظ منهم ولا حتى برد سلبي، فعملت على ترجمة مقالات أثارت اهتمامها في الصحف الألمانية لتنشرها بعد ذلك في صحف إلكترونية عربية.
العمل في DW
أما عن وصولها إلى محطة الدويتشه فيلله DW فتتذكر قائلة: “عندما بدأت تعلم اللغة الألمانية كنت أتابع هذه المحطة في سوريا. وتخيلت مرة، وأنا أتابع برنامج كوادريغا، أني مذيعة فيها. وعندما كنت أبحث هنا دخلت إلى موقع دي دبليو وبحثت عن إمكانية إجراء تدريب فيها فعثرت على فرصة أفضل هي التكوين المهني في أكاديمية الدويتشه فيله، فتقدمتُ وقُبلت”. وكانت خطواتها الأولى في مهنة الصحافة، أكثر شيء يشبهها وتشبهه.
أثرى العمل مع DW شخصيتها وعلّمها الكثير على المستويين المهني والاجتماعي. فهي مكان فيه آلاف الموظفين من عشرات الجنسيات والثقافات، وبالتالي هناك إمكانية لتعلم شيء جديد كل يوم.
تحمل ميسون ملحم بكالوريوس في الهندسة المعلوماتية من جامعة تشرين، وإجازة في الأدب الألماني والأمريكي من جامعة دريسدن التقنية، وماستر في إدارة الإعلام والثقافة من جامعة برلين الحرة. وهي تعمل كمعدة ومقدمة نشرة الأخبار في DW عربية ومذيعة برنامج صنع في ألمانيا.
اقرأ/ي أيضاً:
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الباحثة هدى صلاح وكفاح امرأة مصرية لكسر القيود
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الإعلامية عبير قبطي