مصطفى قره حمد، ماجستير دراسات سياسية – جامعة زيغن ألمانيا
منذ وصولي لألمانيا أتعرض لكثير من الأسئلة، والمساءلات، عن صفات السوريين أو ماهية الحياة في سوريا. أحاول نقل صورة شخصية عن السوريين، وصورة موضوعية عن الحياة في سوريا، خاتماً الحديث بأن ما رويته هو وجهة نظر حياة ابن المدينة الذي لم يعش سوى في دمشق وحمص.
يحاول المستمع فهم سوريا كلها من شخص واحد، ووضع السوريين كلهم في قالب واحد. هذا المقال يحاول إبراز أمثلة عن التأطيرالمجتمعي ويطرح سيناريو تبني الفردانية كاستراتيجية للحماية من التأطير الذي قد يؤدي للعنصرية في الحياة العامة أو التنمرفي المدارس.
في الإعلام
تكمن المعضلة في الإعلام الحر في البلدان الديمقراطية في أنه يعمل على جذب المتابعين سعياً للربح، سعيٌ مشروع ولكنه يبرر أيضاً إرضاء حاجة المتابعين لمعرفة المزيد عن جيرانهم الجدد من المهاجرين واللاجئين، بأية طريقة ممكنة.
هذا قد يكون السبب وراء التركيز على أخبار اللاجئ، جرائمه، عاداته، تقاليده، أعداد الذين عملوا من اللاجئين، ما جنسياتهم، هل العرب مجتهدون أكثر من الأفغان؟ هل السوريين يعملون أكثر من العراقيين؟ ما وضع الجالية اللبنانية في هذه المعادلة؟..
تركز أخبار اللجوء واللاجئين حول هذه التساؤلات. تزداد بعض المنابر الإعلامية وحشيةً فلا تغطي أخبار اللاجئين والمهاجرين سوى إن دهس أحدهم عدداً من المارة، أو طعن آخر رجلاً ألمانياً، أو ألقى بأحد أفراد عائلته من النافذة، على سبيل المثال لا الحصر، بينما لا تصل جرائم المجموعات الأخرى للصفحات الأولى، هذا إن ذكرت في الإعلام أصلاً.
كون هذا التأطير تم تبنيه في الإعلام، فهذى لا يعني أنه حقيقي بقدر ما هو سياسية إعلامية. هذه الحوادث وقعت بالفعل، ولكن اختيارها دون غيرها هو عين المعضلة. ففي أحد المنابر الإعلامية الألمانية أيضاً، وهو التلفزيون الحكومي الممول من أموال الضرائب ZDF، لضمان درجة أعلى من الحرية، فهو متحرر من سلطة الدولة ومتحرر من سلطة التمويل، تجد إحصائية صادرة عن هيئة حماية الدستور (المخابرات الاتحادية) عن خلفيات مرتكبي الجرائم عام 2018 في ألمانيا.توضح هذه الإحصائية أن عدد مرتكبي ما يسمى بالاعتداءات “الإرهابية” -وهو مصطلح فضفاض مرتبط بخلفية منفذ العملية- يكاد لا يقارن بأعداد مرتكبي الجرائم من أبناء المجتمع الألماني أنفسهم ومن مختلف الاتجاهات السياسية.
الحرب المضادة
في المحصلة، تظهر صورة المهاجر أو اللاجئ ذي الأصول العربية أو شمال إفريقية كرجل غاضب عنيف، وفي هذا الإطار تحاول المنابر الإعلامية العربية -وهنا لا أقصد المنابر الرسمية سواء حكومية أو خاصة، التي قد تنضم لجوقة المطبلين مع اليمين الأوروبي دونما دعوة- في بلاد المهجر أن تظهر نجاحات الأفراد من اللاجئين والمهاجرين في المدارس والجامعات ومن مخترعين ومهندسين وأطباء.
وهنا تكمن عدة مشاكل لا بد من الإضاءة عليها:
أولاً هذه الشريحة الناجحة لا تمثل المجتمع المهاجر؛ فالجاليات المهاجرة تعاني مشاكل كثيرة يجب طرحها، للفت نظر المسؤولين إليها، ولنقد الجالية من أجل ضمان تطورها.
المشكلة الثانية أنها تترك انطباعاً عند القارئ، أنها مجرد ردة فعل على تصوير اللاجئين كمجرمين ومتحرشين. تجد التأطير كذلك في عبارات من شاكلة “رغم تجربة اللجوء، تمكن/ت من النجاح، بل وتفوقت على الألمان أنفسهم، رغم ادعاءات فشل المهاجرين فلان الفلاني يحقق كذا وكذا.” ويبرر المرء لكتاب هذه التقارير أنهم يريدون إبراز وجهة نظر إيجابية، لكننا سنبقى في الإطار ذاته طالما أننا نستخدم الأدوات ذاتها.
أخيراً يقع هذا الخطاب ضد فكرة “الاندماج” ككل، فهو يرفع سوية الصراع بين المجتمع الألماني (مع الاعتقاد الخاطئ أن المجتمع الألماني هو الإعلام الألماني) والمجتمعات المهاجرة. وفي الوقت ذاته يقسم المهاجرين بين متبنين لخطاب اليمين ضد المهاجرين لمتبنين لخطاب مضاد. بينما حان الوقت لتبني رؤى جدلية نقدية تؤسس نفسها في المكان الجديد دون تبني الأطر الجاهزة.
ما الحل؟
تقوم الفردانية على اعتبار أن للأفراد تكويناً نفسياً واجتماعياً مستقلاً، هو نتاج تجاربهم منذ سنوات الحياة الأولى حتى المراهقة والشباب. تفترض الفرداينة أن كلاً منا هو نتاج ذاته، أفكاره، والنموذج الفريد الذي لا يمكن أن يتكرر مرتين. إنسان إنساني، مسؤول عن تصرفاته، يصعب تعميم تصرفات الآخرين عليه ويصعب سَوق تصرفاته على الآخرين. يبدو هذا الكلام فلسفياً وهو كذلك، وعليه مآخذ سوسيولوجية واقتصادية لا ضرر من نقاشها. مع هذا وذاك، فإن الفردانية أساس فلسفي ومجتمعي في أوروبا ، مؤثر بالقانون والسياسات العامة وحتى سياسات الأسرة.
الحل هنا هو استخدام منطق التشكيل المجتمعي في أوروبا، ألا وهو الفردانية، كآلية للجدال ضد سياسة تأطير اللاجئين والمهاجرين. نعم هذا الشخص مهاجر، ولكنه ليس أنا، أنا لست بحاجة لمهاجمة فعله ولا الدفاع عنه، هو ببساطة ليس أنا. لا أشعر بالحاجة لتبرير ما قام به، ولا تبرير القوانين التي ستصدر ضد المهاجرين واللاجئين بعد فعلته، الفردانية هي أن لا تسمح لنفسك أن تكون ردة فعل لفعل أنت لم ترتكبه، لم تختر أن تكون جزءاً منه، لجرم يحاول الإعلام والمجتمع إلصاقه بنا كأقلية في هذه البلاد، دون إدراك ديناميكية المجموعات الصغيرة داخل هذه الأقلية المسماة بـ”اللاجئين أو المهاجرين أو العرب أو المسلمين أو السوريين.”
ببساطة أحاول أن أقول، نحن لسنا قطيع سيء، ولا قطيع جيد، نحن لسنا قطيع على الإطلاق، وإذا ما أردنا تبني الفلسفة المجتمعية للأوروبي، فنحن أفراد.. وهذه دعوة لاستخدام هذا الجدال في العمل والمدرسة، ضد العنصرية والتنمر.
إقرأ/ي أيضاَ:
في حرية ممارسة الشعائر ما بين الشرق والغرب
تطوّرمفهوم المواطنة وسياقاته التاريخية
نحن و”ألمانيا العظيمة” ما بين إعلاء الآخر والنظرة الدونية للذات