أكرم أبو الفوز، متزوج وأب لثلاثة أطفال يعشقون الحرية والسلام كوالدهم يبلغ من العمر ٣٦ عامًا، قضى منها “أجمل وأقسى خمس سنوات من الثورة السورية” بحسب تعبيره.
من مواليد ريف دمشق، الغوطة الشرقية، مدينة دوما، والتي تسمى عروس الغوطة قبل الثورة السورية، والآن تسمى عروس الثورة السورية، أكرم أبو الفوز إنسان ريفي شعبي، لا يميل للتكنولوجيا كما يميل للحقب القديمة لما فيها من الفن الكثير، يعشق البيوت الدمشقية القديمة ويحاول أن يخزن في ذاكرته بعض رسوماتها، يقضي معظم وقته مع أطفاله في المنزل بسبب عمله الذي يرتبط بأحد غرفه وهو الرسم والتصميم، “الرسم عندي هو موهبة من الله ، لم أتعلمه في المدارس ولا الأكاديميات ولا معاهد الفنون، ولم أشاهد فنانًا حقيقيًا يرسم أمامي إلا في الفترة القريبة الماضية عبر صفحات النت، بدأت من خلال الرسم بالفحم، وتطورت لرسم الزجاج وديكور المنازل والتصميم على بعض برامج الحاسوب إلى أن قامت الثورة السورية” يقول أبو الفوز الذي يعيش الآن في مدينة دوما السورية المحاصرة قرب العاصمة دمشق!
يرسم أكرم على القذائف التي لم تنفجر، القنابل التي لم تقتل، الرصاصات الفارغة، البنادق المعطّلة، الخوذات المتروكة بلا أصحابها، ويحاول إعادة إنتاج الحياة على كل وسائل الموت المتاحة! يقول أكرم: “فكرة الرسم على مخلفات الحرب جاءتني بعد امتلاكي أو اقتنائي لأول قذيفة هاون، كان هناك مشروع في رأسي أحاول تنفيذه عند انتهاء الحرب، ألا وهو إقامة معرض متواضع في إحدى زوايا منزلي أعرض به بعض مقتنيات الثورة، وما كنا نستعمله، وما كان سببًا لاستشهاد الآلاف من أبناء جلدتي، ولدى اقتنائي هذه القذيفة مع القليل من فوارغ الرصاص حاولت أن أضيف لها روح الأمل أو أمسح عنها غبار الموت الذي لطالما ارتبط اسمه بها، ومن هنا بدأت قصتي مع (الرسم على الموت)”.
من يخلق الإبداع؟ الحرب أم المبدع؟ كيف يستطيع أكرم أن يدخل هذه المواد الخطرة إلى منزله؟ كيف يتعايش معها؟
“لم أكن أنا من خلق هذا الإبداع، فربما وضع الحرب والظروف المحيطة بي هي من جعلتني، وهي من أرادت أن تخلقه” يعلّق أكرم، ويكمل: “كان الموت يلاحقنا دائما حتى في أحلامنا، القصف اليومي من الطيران وغيره هو من ساعدنا في أن يتساوى لدينا حب الدنيا مع الآخرة، كنت أرى ماذا تفعل القذائف أو الصواريخ أو القنابل التي تسقط على مدينتي بأبنائها وممتلكاتها، وكنت أحاول أن أغيّر معالمها، وأنتزع الخوف من قلبي وقلب أطفالي وزوجتي بتغيير شكل هذا الصاروخ أو هذه القذيفة أو أي شيء يقتلنا، وأعتقد أنني نجحت بفضل الله نوعًا ما، نزعت الخوف منهم، حوّلت الموت إلى حياة، الألم إلى أمل، أصبحنا نتعايش مع هذه المخلفات كما نتعايش مع أي قطعة أساسية من أساسيات المنزل”.
كيف يرى أكرم أبو الفوز سوريا؟
سوريتي، هكذا أراها، كنت قد رسمت في إحدى أعمالي كيف أرى سوريا وسميت هذا العمل “هكذا أراها” العمل عبارة عن أربع لوحات، وتتوسط كل لوحة خارطة سوريا، ولكن كان لكل لوحة رؤيا، الأولى كانت عبارة عن زهرة ياسمين تملأ قلب سوريا، والثانية فسيفساء مندمجة بجميع ألوانها ضمن هذه الخريطة، والثالثة كانت عن صورة مرسومة بالفحم لفتاة يملأ عينيها الأمل والثقة، والرابعة كانت مزينة بكلمة “حرة” وتتوسط قلب الخارطة السورية . هكذا أرى سوريتي بإختصار.
قد لا يطعم الفن جائعًا، ولا ينقذ جريحًا، فماذا يمكن أن يقدّم؟
يجيب أكرم: “إن لم يقدم شيئًا للثورة فقد قدم لي الكثير، الثورة السورية تحتاج منا أكثر من هذا فلا يخفى على أحد كيف تم اختزالها من قبل الدول الكبرى بأن هناك حربًا في سوريا بين تنظيم الدولة الإسلامية من جهة وتنظيم القاعدة، والنظام من جهة آخرى، وتناسوا أن الثورة السورية هي أعظم من هذا، هناك أشخاص يطالبون بالعدالة والحرية والكرامة والتعايش، وهناك شعب يذبح منذ خمس سنوات، وهناك معتقل ومفقود وأرملة وشهيد، هذا الشعب الثائر لم ولن يتم اختزاله واختزال مطالبه بشيء مما يحاولون إيصاله للعالم ،وأنا من أحد الذين تكلمت عنهم، أحاول أن أوصل صوت ثورتي من خلال هذا الفن، ونقول للعالم إننا هواة سلام وتعايش ولسنا بإرهابيين، فالعين تعشق قبل القلب أحيانًا وانا أحاول أن أوصل رسالتي عبر أعين العالم”
أكرم متفائل، فلكل بداية نهاية بحسب تعبيره، إلا أنه لا يرى خيرًا في الهدنة، ويرى أن “أنصاف الثورات، مقابر” ويتوقع أن تكون الهدنة لدفن الثورة ومنع تحقيق أهدافها، ولكنه بالمقابل يرى أنها استراحة، يريد أكرم أن نتهي الحرب بهدنة أو بغير هدنة، “ولكن ليس على حساب شهدائنا ومعتقلينا ومفقودينا ودموع أمهاتنا وجرحانا” يعلق أبو الفوز، ثم يختتم: “أستغرب من أشخاص انبهروا بفني ولم تهتز مشاعرهم لطفل مزقته آلة الحرب، أستغرب من أشخاص دقت قلوبهم لهذا الفن ولم تدق قلوبهم عندما رأوا رجلًا يبكي فقدان عائلته تحت دمار منزله، أستغرب من أشخاص عشقوا هذا الفن ولم يعشقوا هذه الثورة، أستغرب من أشخاص هزتهم لوحة فنية ولم تهز مشاعرهم لوحة إنسانية، أريد للعالم أن يعرف السوريين، يسمع أنّاتهم وصرخاتهم، قوتهم، وكرامتهم، فعسى أن يسمعني العالم بشكل صحيح!.