سعاد عباس. رئيسة التحرير
افتتاحية العدد 49: عام جديد وحياة جديدة
بوصفهم أقليّة في بلدان الوجهة، تعيش فئات من اللاجئين والمهاجرين نوعاً من الخوف على تقاليدهم وجذورهم كالأقليات الدينية والإثنية، ويكاد يصبح كلّ شيء في غربتهم قضية وجود بالنسبة لهم.
لكنّ الهجرة تطرح معطياتٍ تولّد طرق تفكير سلوك تكيّفية تضيف إلى التقاليد التي حملها المهاجرون أنماطاً من أساليب الحياة في البيئة الجديدة. صحيح أنّها قد تنطوي أحياناً على براغماتية أو نفعية مؤقتة مرتبطة بمخاوف المهاجر أو شعوره بالرفض والإقصاء، لكنّها في حالات أخرى تكون خيارات حقيقية تعكس مرونة تفرضها ضرورات التكيّف والاستمرار في الحياة الجديدة.
مع الزمن تتغير عادات المهاجرين، وهو ما يمكن تلمّسه بشكلٍ ملحوظ لدى العائلات التي يرتاد أطفالها المدارس، إذ ينقلون لأهاليهم تدريجيّاً مايتعلمونه، ليس لغوياً فحسب بل سلوكياً أيضاً، إذ تفرض المدرسة تقاليدها وآدابها وعاداتها على الأسر، فنرى الآباء مضطرين لتعلم “ثقافة الآخر” والتماشي مع مايقتضيه النظام التعليمي لصالح الطفل، بما في ذلك المشاركة في فعاليات اجتماعية تنظّمها المدرسة كالاحتفالات بالأعياد المتنوعة للبلاد. ومناسبات مثل أعياد الفصح والميلاد، بما فيها من تبادل الهدايا مع جيران وأصدقاء ألمان، والدعوات الاحتفالية بالطعام التقليدي السوري أو الألماني صارت أموراً عادية جداً للكثيرين. ولم يعد تزيين شجرة الميلاد مرتبطاً بحالة دينية معيّنة، وهذا مؤشّر لفهم حقيقة أن الدين لايُفترض أن يعيق المشاركة في الحياة الاجتماعية.
تفاصيل كثيرة قد تبدو بسيطة بدأت تدخل الحياة اليومية للمهاجرين واللاجئين. وبدوره يفرض سوق العمل سلوكيّات جديدة من خلال الاحتكاك اليومي مع زملاء ألمان، مما يساهم في زيادة الوعي بالفروق الثقافية، والمرونة تجاه الآخر وبالتالي تعميق التواصل مع المجتمع الألماني.
ولايخفى أنّ معظم اللاجئين السوريين، لاسيّما الجيل الشابّ الذي يشكّل النسبة الأكبر بينهم، يحاولون عبر الدراسة والعمل زيادة فرص استقرارهم في ألمانيا. لكنّ التحدّي الأكبر يبقى التغلّب على المخاوف المتعلّقة بالهوية والجذور، فهي قد تدفع للانغلاق والغربة عن المجتمع المضيف، على نحوما بيّنت تجارب مجموعات مهاجرةٍ سابقة، جعلتها مخاوفها أشبه بفئة اجتماعية قلقة معزولة، وعرضة للتمييز والإقصاء.
“أبواب” اليوم في عامها الخامس، تسعى لتكريس حضورها واستقرارها في المشهد الإعلامي الألماني، وتعزيز انتمائها لهذا البلد، بما يزيد قدرتها على مقاربة القضايا التي تهمّ قرّاءها ومتابعيها، لاسيّما من المهاجرين واللاجئين والقادمين الجدد. فكلّ عام وأنتم بخير.
للاطلاع على افتتاحيات أعداد سابقة:
افتتاحية العدد 48: اللاجئون وهذا الوطن الجديد
افتتاحية العدد 47: مظاهرات وانتخابات.. هل يتجدّد “الربيع العربي”؟
افتتاحية العدد 46: “ها قد عاد..” عن صعود حزب البديل