تستمر الفجوة بين الآباء والأبناء بالاتساع مع كل جيل، ولا شك أن وجود اختلافات عديدة بين زمن الآباء وتلك الحياة الهادئة نسبياً حينما تجتمع العائلة بشكل يومي، ويملك الجميع وقتاً أطول لعمل أشياء عديدة مع الآخرين، بينما يعجّ زمن الأبناء بأدوات التكنولوجيا التي أقل ما يقال أنها جعلت الحياة سريعة وإلكترونية وعملية أكثر منها عاطفية.
يجد الآباء صعوبةً في التأقلم مع حياة أبنائهم فيحدث الصدام بينهم في صراع أجيال متكرر، فلا الآباء يريدون التنازل قليلاً عما تعودوا عليه، ولا الأبناء يريدون الخضوع للأوامر.. فيعاندون ويتمردون على مايطلبه الآباء.
أعتقد أن للصراع أسباب ثلاثة، أولها يتعلق أكثر بالأبناء في سن المراهقة، بما فيها من مشاكل واضطرابات هرمونية ومحاولة لإثبات الذات، وزيادة على ذلك انشغالهم بالهاتف المحمول والكمبيوتر لدرجة الإدمان على شاشات الأجهزة وكأنهم يعيشون في عالم آخر، فلا يجلسون مع أبائهم ولا يتحدثون معهم فتزيد الفجوة بينهم ومن هنا تتراكم المشاكل.
ومهما حاول الآباء إقناع أبنائهم بأن هناك حياة واقعية وبشر حولهم يجب التحاور معهم، أوبممارسة الهوايات مثلاً، تبقى كل هذه المحاولات فاشلة.
أما عن السبب الثاني، فلعله عائدٌ إلى التعنت أو حب السيطرة لدى أحد الطرفين وهم الآباء غالباً، والطرف الآخر عنيد بحكم العمر والرغبة في الاستقلال، فلا يسمع لأحد. وبإضافة العصبية إلى هذه العلاقة يحدث الانهيار، وأعتقد أن ذلك من أخطر الأسباب.
أما السبب الثالث فهو رفض الآباء التنازل قليلاً ومحاولة فهم أبنائهم، وإدراك أن تلك الاختلافات بينهم أمرٌ طبيعي ولو عادوا بالزمن قليلاً سيجدون أنَّ آباءهم كانوا أيضاً يعانون معهم نفس المعاناة، والزمن يأخذ دورته ليعود لهم ولكن بشكل عكسي.
صراع أجيال متكرر وحلول لا تنتهي
وإذا بحثنا عن حلول فسنجد الكثير من تجارب الآباء مع أبنائهم، قد يكون بعضها فاشلاً أو مؤقتاً في حال كانت تعتمد على الخضوع من جهة الأبناء مثلاً. ورأيي الشخصي مختلف تماماً عن هذه الحلول، لأني أجد الحل كله في يد الآباء، فهم فقط من يستطيعون احتواء أبنائهم، ومعاملتهم بلين وحب ليكسبوا صداقتهم، بالتفاهم والصراحة وعدم الخوف.
فعلى الآباء أن يستمعوا لمشاكلهم ومساعدتهم في حلها وعدم رفض كل شيء بأسلوب جاف يجعلهم يفعلون مايريدون دون أن يعلم الآباء. يجب محاولة تفهم طلبات الأبناء وآرائهم ومشاعرهم، فنحن أيضاً كنا يوماً مثلهم وشعرنا بما يشعرون وربما كثيرون منّا لم يجدوا آباء ينصحونهم، مما ساهم في أخطاء سواء في الخيارات أو العلاقات.
وأثناء دراستي حول ذلك الموضوع، وجدت أن الأبناء الذين يحظون بحب واحتواء من قبل أهلهم، هم الأنجح في الحياة الأسرية في المناقشة والتفاهم ولغة الحوار المشتركة، ومرونة كل طرف فيما يريده أمام إرادة الطرف الآخر، ونجاح حياتهم خارج المنزل أيضاً وثقتهم بأنفسهم، وعلى العكس الأبناء الذين تربوا على العنف وعدم الاحتواء تزداد احتمالية فشلهم في حياتهم داخل المنزل وخارجه، وقد يظهر ذلك في الميل للانطوائية والبعد عن الأسرة والهروب لأشخاص آخرين خارج حضن العائلة.
يجب على الآباء محاولة إحداث بعض التغيير في أنفسهم حتى يكسبوا أبنائهم، ولا يخسروهم فيندموا بعد ذلك في وقت لا يفيد فيه الندم.
رشا سالم. صحفية مصرية
اقرأ/ي أيضاً:
إيذاء النفس لدى المراهقين.. ظاهرة لا يمكن تجاهلها
تمرّد الأبناء على الآباء في دول اللجوء
الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي.. أذية مباشرة ولو بعد حين