آلاف السووريين أحزنهم الدمار الذي لحق بآثار تدمر، آلافٌ غيرهم استهزؤوا بأولئك وحقروا مشاعرهم مقارنين تلك الخسائر بآلاف الأرواح التي أزهقتها نيران القتلة، مئات آلافٍ آخرين لم يسمعوا أو لم ولن يبالوا بما يبعد عن أسقف بيوتهم التي لم تهدمها بعد البراميل أو الصواريخ، فلا شيء بأهمية نجاتهم وبقاء أحبتهم على قيد الحياة.
شهدت ساحة «ترافلغار» في لندن يوم أمس نصب نسخةٍ عن قوس النصر التدمري الذي عاش في سوريا طوال 1800 عام قبل أن يلحق به تنظيم داعش الدمار بعد دخوله إلى مدينة تدمر في العام الماضي، إذ لم يبق منه سوى عمودين في حين سوي جزؤه الأوسط مع قوسه بالأرض.
وقد تم تصميم نموذج النسخة في جامعة أكسفورد اعتماداً على تقنية الصور ثلاثية الأبعاد، ومن ثمّ تصنيعها في إيطاليا باستخدام الرخام المصري و باعتماد آلاتٍ حفرت الأحجار بنفس الشكل والتصميم، وبما يعادل ثلثي قياسات القوس الأصلي ليتم فيما بعد تركيبها في لندن, حيث ستبقى حتى يوم الخميس قبل أن يتم نقلها إلى أنحاء أخرى في العالم من بينها دبي ونيويورك ومن ثمِ إلى سوريا العام القادم لتتم إقامتها قرب موقع القوس الأصلي.
وقد أعرب البروفيسور بيل فيلايسون، من مجلس البحوث البريطاني في بلاد الشام والذي يدعم إجراء البحوث الأثرية في المنطقة، عن حذره. إزاء إعادة البناء في المواقع الأثرية نفسها، وأضاف “فالسابقة الخطيرة ستعني أنه إذا دمرت شيئا ما فإنه بوسعك إعادة بنائه، وللنسخة نفس أصالة الأصل.”
كما عبر المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف السورية، مأمون عبد الكريم والموجود في لندن لمشاهدة نصب هذه النسخة عن “إنها رسالة عن تزايد الوعي في العالم.” “لدينا تراث مشترك، تراثنا عالمي، وهو ليس فقط للشعب السوري”
ويبدو أن الوعي الذي ذكره السيد عبد الكريم لا يتجاوز فلك الآثار العالمية كتراثٍ إنساني ولا يتعداه إلى محاولات إنقاذ الأرواح التي تزهق، ولا توجيه الاتهام إلى النظام الذي يرتكب جرائمه بحق الإنسانية.
على صعيدٍ آخر لا يبدو أن هناك تحركاً أو حضورًا للمعارضة السورية بأيٍّ من أطيافها ومستوياتها قرب هذا الصرح الذي يستحق كل التقدير كونه محاولة لإعادة إنتاج تحفةٍ نجت من كل ما مر على تدمر والمنطقة حتى هذه اللحظة، لكنه أيضا بمثابة تخليد للمجرم الداعشي مع تجاهل كامل للطرف الآخر في الجريمة، بحيث أن التاريخ سيحفظ للنظام السوري منجز إنقاذ تدمر. وهنا تبدو الأهمية القصوى إعلاميًا على الأقل لمشاركة سياسيي الثورة بشكلٍ من الأشكال في تسليط الضوء على هذا الحدث، عل الوعي العالمي يزداد حقًا.