خاص أبواب
قادمًا من حلب المنكوبة، عبَرَ محمد كروط Mohamad garrout رحلة اللجوء الشاقة والمريرة، حاملاً في جعبته ما تعلّمه من أصول الموسيقا والطرب الأصيل، ليصل إلى هولندا في أيار/ مايو من عام 2014. وعلى الرغم من حالة القلق وعدم الاستقرار المرافقة لفترة التنقل بين مراكز اللجوء، لم تكد تمضي سوى أشهر قليلة على وصوله حتى استطاع محمد أن يفرض نفسه بفنّه ويصعد خشبة دار الأوبرا في أمستردام، ويقدم موسيقاه للجمهور الهولندي، بمشاركة فرقة الأوركسترا الوطنية الهولندية.
في حديث خصّ به “أبواب”، يروي محمد (29 عامًا) جانبًا من قصته.
“طرقت باب الموسيقا وأنا في سن الحادية عشرة من العمر، تتلمذت على يد أساتذة حلب القديرين حتى تخرّجي من المعهد الموسيقي – اختصاص آلة العود، وامتهنت الموسيقا والفن في حلب، واليوم أنا فنان بما سلم منّي”، قال محمد. وعن كيفية نجاحه في تقديم نفسه للأوساط الموسيقية في مستقرّه الجديد بهولندا، تابع: “بعد تنقلات عديدة بين مراكز اللجوء، رسا بي البؤس في مركز ثابت. هناك كان ثمة شخص هولندي في الأربعينات من عمره، يأتي إلى المركز كل أسبوع، ويقوم بعزف الموسيقا للأطفال خصوصًا، بهدف محاولة تخفيف آثار مآسي الحرب وتداعياتها عليهم. التقيت به وعرفته بنفسي، وبعد أن استمع إلى عزفي أبدى اهتمامه، وقال لي بكل نبل وبساطة: يتوجب عليّ كفنان نقل ما لديك إلى المهتمين”.
إضافة إلى اختصاصه الأكاديمي في آلة العود يتقن محمد كروط العزف على الناي، كما أن لديه العديد من المقطوعات الخاصة من كلماته وألحانه وغنائه.
يتابع محمد: “تواصل الصديق الهولندي فعلاً مع إدارة الأوركسترا في أمستردام وسَرد لهم ما رأى، وهم بدورهم طلبوا منه تسجيلات مصورة. فعاد إلي وقمنا بتسجيل مقاطع مصورة تتضمن عزفي وموسيقاي، وأرسلناها إلى الأوركسترا في أمستردام، وبعد فترة وجيزة وصلتني برقية منهم يطلبون مني أن أختار مقطوعتين لكي أشارك بهما في حفل استقبال عام 2015 الذي يقام في دار الأوبرا بأمستردام، وهذا ما كان”.
هكذا بدأ مشوار محمد الفني في هولندا برفقة عوده ونايه وألحانه، حيث حظي باهتمام الإعلام الهولندي، وتعاون مع عازفين هولنديين وتتالت الدعوات له للمشاركة في العديد من الفعاليات الفنية والمهرجانات الموسيقية المهمّة. من ذلك مشاركته في مهرجان Pinkpop Festival العالمي، الذي يُنظّم سنويًا في مدينة Landgraaf جنوب شرق هولندا، حيث يعيش هو وأسرته حاليًا. وكذلك المشاركة في حفل استقبال العام 2017، الذي أقيم في مبنى مقاطعة ليمبورخ، وقد احتُفي بمشاركته، وأكّد المنظمون أن إصرارهم على وجود آلة موسيقية شرقية في الحفل هو عبارة عن رسالة توضح أهمية التنوع الثقافي وعدم التهميش. كما شارك محمد في حفل أقامته منظمة العفو الدولية Amnesty ، إضافة إلى العديد من الفعاليات الأدبية والمهرجانات الثقافية.
وعن تفاعل الجمهور الهولندي مع فنه يقول: “الشعب الهولندي ميال بطبيعته لتذوق ما هو جديد وأخذه على محمل الجد، وهذا ما لمسته من خلال تفاعلهم مع ما أقدمه. كان التفاعل مُرضيًا جدًا، وأبدى كثيرون إعجابهم بالألحان الشرقية، وكذلك بالمزج المميّز بين آلة العود أو الناي والآلات الغربية”.
من الأعمال التي ألفها كروط في هولندا مقطوعة موسيقية بعنوان “احموا ما تبقى من أطفال سوريا“، وأغنية لمدينته حلب هي “لما تطلي ع بالي”. أما مشاركته القادمة فستكون في مدينة ماستريخت الهولندية بتاريخ الأول من حزيران/ يونيو 2017 ضمن حفل تقيمه جمعية ياسمين، ويهدف إلى إيجاد مزيد من المساحات المشتركة بين السوريين والهولنديين، واستقطابهم إليها بهدف التفاعل مع الآخر والتعريف بالفن والثقافة السورية، حيث سيتضمن الحفل أنشطة موسيقة وثقافية، كما يتخلله عشاء سوري.
رغم هذه النجاحات يواجه محمد كروط العديد من الصعوبات، ويرى أنّ الفنان إذا ما أراد تطوير نفسه فيجب أن يشعر بالاستقرار أولاً، وهو ما يعني التسليم بالواقع الجديد وحالة اللجوء، وهذا ليس بالأمر السهل بالنسبة لمحمّد ولم يشفَ منه تمامًا وفق تعبيره، كما أنّه من الصعب التفرغ للموسيقا والفن بسبب متطلبات الحياة وضرورة البحث عن مورد رزق. وختم بالقول: “هناك العديد من الفنانيين السوريين في كل مجالات الفن يحاولون جاهدين العمل على إيصال رسائلهم بكل ما أوتوا من موهبة أو من ألم، لكن روح الفنان تحتاج إلى إنعاش أيضًا، وهذا يتطلب وجود مراكز ترعى الفنانين وتدعمهم، وأتمنى في الفترة القادمة أن نرى هنا أندية ثقافية للسوريين في كل المدن، كما هو حال المطاعم السورية التي انتشرت بكثرة في الآونة الأخيرة”.