استضاف مهرجان الأدب الدولي التاسع عشر في برلين الكاتب السوري مصطفى خليفة في ندوة بعنوان (الهروب والصدمة)، تم فيها نقاش روايته “القوقعة” التي تم مؤخراً ترجمتها إلى اللغة الألمانية، وكان الكاتب في الحوار برفقة ياسين الحاج صالح والسيدة لاريسا بندر مترجمة الرواية الى اللغة الألمانية، بالإضافة الى أندرياس هانس أستاذة البحث النفسي الاندماجي والهجرة في برلين.
رواية القوقعة التي تتناول الممارسات اللاإنسانية التي كانت ومازالت تستخدم بشكلٍ ممنهج وشديد الوحشية في السجون السورية لترهيب المعتقلين، والتي تعكس بشكلٍ من الأشكال التركيبة النفسية للسجان الأكبر حافظ الأسد وسلفه، كانت محور الحديث في هذه الندوة.
سجن تدمر وما يجري الآن من “تَدمَرَة” لسوريا بحسب قول ياسين الحاج صالح، ومن ثم استبداله بسجن صيدنايا، والتعذيب الذي يبدأ في التجربة السورية قبل السجن، في الحياة اليومية للناس. ازدياد وحشية التعذيب وكميته بعد الثورة السورية والموت الذي أصبح غايةً بحد ذاته، كلها كانت مواضيع تم تناولها في هذه الندوة.
بالإضافة إلى المقارنة بين ما حدث مع ألمانيا التي خرجت محطمةً من الحرب ولكن تم فيها تحقيق نوعٍ من العدالة من خلال محاكمات لبعض المجرمين، أما في سوريا فإن ما يجري هو العكس والأكثر سوريالية أنه يتم إعادة تأهيل الدولة الأسدية التي تتعافى، في حين لا يبدو أن شيئاً من حالة التعافي الجماعية للشعب السوري قد حدثت لأن من قتل و دمر لازال يحكم البلد وشهادة معارضيه وضحاياه لم تلق أي احترام.
وعن الهدف من ترجمة رواية القوقعة إلى اللغة الألمانية قالت المترجمة لاريسا بندر أنها تجد أنه من الضروري جداً أن يعرف العالم ماذا حدث ويحدث في السجون السورية، لأننا هنا في ألمانيا نعيش فيما يشبه الفقاعة.
بالمقارنة مع ما يحدث في باقي دول العالم نحن فيما يشبه الجنة وبدون مشاكل كبيرة ، ولكن لدينا تاريخنا الخاص وتاريخ النازية ومعسكرات الاعتقال، لذلك هذا الموضوع ليس غريباً بالنسبة إلينا. ولكن على العالم أن يعرف وألا يغلق عينيه أمام ما يحدث. “ولأنني على الصعيد الشخصي أتساءل لماذا التعذيب؟! ولماذا يقوم إنسانٌ ما بتعذيب آخرين، لذلك ترجمت هذا الكتاب كخطوة للإجابة على هذه الأسئلة”.
وعن تلقي القارئ الألماني لرواية مؤلمة كالقوقعة ومدى إمكانية أن تثير الاحساس بالمسؤولية عند صناع القرار، أشارت المترجمة إلى أن الإعلام الألماني كتب الكثير عن هذه الرواية، ولكن بالطبع شريحة قليلة هم من يهتمون بالفعل بهذا الموضوع، لكن علينا الاستمرار في المحاولة. في المقابل لا تتوقع أبداً أن يؤثر هذا النوع من الأدب على الإعلام الذي يصدره اليمين المتطرف في ألمانيا فهم برأيها “لن يقرأوا كتاباً كهذا”.
من ناحيةٍ أخرى هذا النوع من الأدب مهم جداً في تحقيق عدالة في سوريا مستقبلاً، لأن من يعرف ما حدث لن يقوم بمصالحة مع هكذا نظام، لذلك من المهم جداً أن يكتب أشخاص مثل مصطفى خليفة وياسين الحاج صالح عن تجاربهم، تقول بندر “بدون معرفة ماذا حدث في السابق لن تكون هناك محاكمات، وأرى أنه بدون محاكمة المجرمين في سوريا لا يمكن أن تتحقق عدالة، وهذا النوع من الأدب هو جزء من خطوة إلى تحقيق العدالة في المستقبل”.
كانت رواية القوقعة قد نُشرت باللغة العربية في العام 2008 وصدرت عن دار الآداب ، التي حاولت عرضها في معرض الكتب السنوي في دار الأسد للثقافة والفنون، لكن الأمن السوري تدخل فوراً وسحب جميع النسخ من المعرض وحذر دار الآداب من إدخال أي نسخة من هذه الرواية إلى سوريا مرة أخرى. وتمت ترجمتها إلى عدة لغات لتبصر النور باللغة الألمانية في نيسان 2019 عن دار نشر Weidle Verlag.
وصف مصطفى خليفة روايته بأنها وثيقة وشهادة وصيحة حرية ، تعتبر شاهد عيان على ما يحدث في السجون السورية من انتهاكات وفظائع رغم أنها لم تتحدث على حد تعبيره عن الانتهاكات الجنسية والشتائم الطائفية لعدم رغبته في إثارة نعرات طائفية، تحدث فيها عما رآه في سنوات اعتقاله دون أن يتدخل الخيال بالرواية، فكل ما ذُكِر فيها كان واقعاً.
قام الكاتب في نهاية الندوة بتوقيع روايته كما تمت استضافته في كلية بارد الأميركية في اليوم التالي حيث قرأ مقطع من روايته وأجاب على أسئلة طلاب الجامعة الذين حضروا اللقاء.
إعداد: غيثاء الشعار. كاتبة سوريّة، تدرس (السياسات العامة) في برلين
اقرأ/ي أيضاً:
ترشيح “الموت عمل شاق” للروائي السوري خالد خليفة لجائزة الكتاب الوطني الأمريكي للأدب المترجم
بعيداً عن “الاندماج الثقافي” الدارج.. برلين تحتفي بالأدب العربي من زاوية مختلفة جداً
فضاءٌ للنقاش حول الربيع العربي والأدب في دار الأدب في برلين