أملود الأمير – برلين
أقامت مؤسسة سلام ضمن فعاليات برنامجها الثقافي “كونفيرس” سلسلة ندوات وفعاليات ثقافية واجتماعية، انطلقت من خلال ندوة عن المعتقلات في سوريا بين الأب والابن، تحدث فيها كل من أنور بدر ومحمد العبيد عن تجارب اعتقالهما المتعددة في عهد حافظ وبشار الأسد. وجاءت الندوة الثانية عن ثقافة الطغيان، وقد تحدث فيها الكاتب السوري خضر الآغا عن علاقة الطاغية بالمثقف، قائلاً: “إن النظام السياسي العربي والنظام الثقافي العربي تبادلا خلق بعضهما البعض، كما تبادلا الفائدة: كلا النظامين تأسس على التأبيد فلا يتغير ولا يتبدل، ويواصل إنتاج الأفكار والوضعيات التي تحقق له شروط بقائه على العرش مهما حدث في هذا العالم، وكلاهما يمنح الآخر كافة الطرائق والوسائل التي تبقيه مهيمنًا، وكلاهما أمعن في طغيانه، فقد أخذ السياسي من الثقافي جميع الأفكار التي تبرر طغيانه، ونال الثقافي حرية خلق طغاة صغار في الشعر والثقافة كلما وجد ضرورة لذلك! فطغيان النظام السياسي يلزمه طغيان النظام الثقافي، فكلاهما صنيعة بعضهما.
وعندما تكشّفت الأنظمة السياسية عن دكتاتورية وشمولية غير مسبوقتين، الأمر الذي وضع المثقفين أمام موقف أخلاقي إن لم يكن سياسيًا، فكان لا بد لهم من الإعلان عن موقف من هذه الأنظمة، وعلى اعتبار أنهم يشكلون المنظومة الثقافية لهذه الأنظمة، وعلى اعتبار أن الثقة متوفرة بين النظامين اللذين هما قفا الورقة ووجهها، كان أن أعلن الكثير من هؤلاء عن موقفهم المعارض لهذه الأنظمة.. لكنْ حدث أن بطشت الأنظمة السياسية بمعارضيها الآخرين: سجنًا ونفيًا وتشريدًا وقتلاً، فيما أبقت على هؤلاء الشعراء والفنانين والكتاب الحداثيين كواجهة معارضة لا تفعل أي شيء يسيء لنظامها السياسي، بل على العكس، لم تنفك تؤازره في ادعاءاته تحرير الأراضي المحتلة، ومواجهة المشاريع الخارجية والداخلية الهادفة إلى القضاء على بذور المقاومة.”
فعاليات فنية
كما أقيم حفلان موسيقيان لفرقتي “مطر” و”عالم ثالث” حضرهما جمهور متنوع من العرب والألمان، ويتضمن برنامج فعاليات “كونفيرس” في شهر آب معرضًا للفنان السوري عبد الرزاق شبلوط، وأمسيات شعرية وأدبية.
وتحت عنوان “في 2016 الى أين وصل الربيع العربي” أقيمت محاضرة الدكتور جلبير أشقر، البروفسور في معهد الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة في جامعة لندن. وقد صدر كتابه الجديد “أعراض مرضية: انتكاسة الانتفاضة العربية” مؤخرًا.
العنوان يعبر عن الشعور السائد ليس حصرًا في المنطقة العربية، وإنما بشكل عام، في الانتقال من الإفراط في التفاؤل إلى الإحباط الكامل لدى أبناء المنطقة، واليأس وعودة التصورات السابقة عن العرب والمسلمين التي لا تفتقر إلى العنصرية، والتي عادت بقوة.
يقول أشقر: “أقول إنّ الأمل ما زال لديّ، رغم أنني لن أصف نفسي بالمتفائل. ثمّة اختلافٌ نوعيّ هنا. إن الأمل هو الاعتقاد بأنّ الإمكانيّة التقدّميّة لا تزال متاحةً، أمّا التفاؤل فهو الاعتقاد بأنّ هذه الإمكانيّة سوف تتحقّق.”
فمن الضروري وجود فهم دقيق لمسار الانتفاضة وطبيعة المشاكل التي يواجهها هذا المسار، وهذا ماقد تم شرحه في كتابيه “الشعب يريد-بحث جذري في الانتفاضة العربية” و”أعراض مرضية-انتكاسة الانتفاضة العربية”.
يشدد الأشقر على استخدام مفردة الانتفاضة بدلًا من الربيع العربي، حيث أتت هذه التسمية مع بداية أحداث تونس في ديسمبر كانون الأول 2010، فزمن الربيع قصير. وهنا مقاربة لما حدث في أوروبا الشرقية، فخلال عدة أشهر تغيرت الأوضاع، وهذا مختلف تمامًا عن صعوبة إسقاط الأنظمة العربية المتمسكة بالسلطة والتي هي على استعداد لقتل شعوبها، وهذا يحتاج لسيرورة تاريخية طويلة الأمد. سيكون هناك مد وجزر بين الثورة والثورة المضادة، ولن تشهد المنطقة استقرارًا فعليًا لمدة طويلة.
تعتبر المنطقة العربية من المناطق الجيوسياسية القليلة التي أفلتت من التحول الديمقراطي، والذي بدأ منذ عقود وامتد إلى سائر مناطق العالم.
آخر موجة تحولات أو ثورات بقيت عالقة بالذهن، كانت في أوروبا الشرقية وبرلين، لم يكن التحول سياسيًا فقط، وإنما كان تحولاً جذريًا، لم يكتفِ بالبنية السياسية، وإنما بالبنى الاجتماعية أيضًا، وتم بسلاسة كبرى.
إن هذا النموذج ظل عالقًا بالأذهان، لا سيما عند إسقاط بن علي في تونس ومبارك في مصر، فقد كانت العملية سهلة. الشعب يريد اسقاط النظام عملية سهلة، وإسقاط الشخصية الحاكمة عملية سهلة أيضًا، وكأن إسقاط الشخص الحاكم هو إسقاط للنظام.
وأجاب الأشقر على سؤال أحد الحضور عن دور اليسار الآن في سوريا معرفًا: إن قيم اليسار في الديمقراطية الجذرية والعدالة الإجتماعية والمساواة، وهي تنتاقض مع طبيعة النظام السوري أو البعث العراقي أو القذافي، وماهو مرتبط معه ليس يسارًا، كما الملحد ليس مسلمًا، وعطف حديثه آسفًا أن هناك قسم من اليسار العالمي أصابه قصر نظر شديد أدى إلى عدم التمييز بين الاتحاد السوفيتي وروسيا الآن. الرأسمالية الروسية فاحشة، والأنظمة القائمة فيها اسوأ من أمريكا، وسياسة نشر القوة بالاعتماد على الاحتكار النفطي هي سياسة واسعة في طبيعتها الإمبريالية، ومن يعتبر أن روسيا تمثل اليسار فهو حتمًا لديه قصر نظر.
وفي ختام محاضرة الأشقر، أكد أن المطالبة بالسلام، مهما كانت شروطه، فهو الهدف الأهم لهذه المرحلة من أجل مواصلة النضال والتغيير بعد تحقيق السّلام.