محمد حسن هلة
يعرف الباحثُ وليم نجيب جورج نصار الجرائمَ ضد الانسانية بالجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من نفس دولتهم ضمن خطة للاضطهاد، وغالبًا ما يرتكب هؤلاء جرائمهم بناء على تعليمات يصدرها القائمون على مجريات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة. وبهذا المعنى فإن هذا التعريف يعتبر توصيفا دقيقًا لما يراه معظم السوريين عن فئة منهم عاشت قبل الثورة معهم وبينهم ثم انقلبت عليهم ما إن خرج الناس للتعبير عن مطالبها المحقة بالتغيير.
بدأت القصة عندما أصدر التاريخ أمره للسوريين بأن ينهوا أربعين سنة من حكم شمولي ديكتاتوري متخلف لفظه الدهر وتجاوز عمره مدة الصلاحية، عندها قام جل الشعب السوري بتنفيذ حكم التاريخ فخرج الناس للشوارع والساحات مطالبًا إنهاء حقبة الاستبداد والظلم. وكما كل الثورات الشعبية ضد التسلط والديكتاتويات قامت فئة من السوريين بالاصطفاف مع السلطة المستبدة. وبما أن الاستبداد لا يتحقق إلا بأعلى درجات القمع والإذلال؛ فإن تلك الفئة مارست كافة أنواع المحرمات. ولكي يكون القمع منظمًا وأكثر فاعلية وتأثيرا عمد النظام إلى تشكيل كتائب من المرتزقة قوامها (بسطاء ومغرر بهم) تم لم شملهم من كافة المناطق والمدن والقرى وأسماهم “جيش الدفاع الوطني” . وبدأت مرحلة من القهر والعنف والاضطهاد والقتل من قبل تلك الفئة. وقد كان شعارهم آنذاك (شبيحة للأبد لاجل عيونك يا أسد) وبدأت الصور والمشاهد تتقاطر على الانترنت واليوتيوب وتظهر هؤلاء الشبيحة وهم يقفون على جثث المدنيين أو يقومون بالطعن والتعذيب الرهيب في احتفالية شيطانية يندى لها جبين الإنسانية.
لقد وقف هؤلاء في سوريا مع الظالم ضد المظلوم. رغم أن المظلوم كان من بني جلدتهم. ذلك أنهم كانوا اليد الضاربة داخل الأحياء السكنية الآمنة والثائرة، وهذه أيضًا من الحقائق المؤسفة، فهم على الأغلب كانوا من تلك الأحياء ولكنهم من فئة العاطلين عن العمل أو من المستفيدين بشكل أو بآخر من بقاء النظام. فقد انقلبوا على أهليهم وذويهم من أجل دراهم معدودة وأجرموا بحقهم في مرحلة ما. واليوم، وبعد ارتكاب تلك الجرائم ظنوا لسذاجتهم أن في مقدورهم محو آثار جرائمهم النكراء وجعلها طي الكتمان والنسيان بالهجرة إلى أوروبا والابتعاد عن مكان الجريمة والتقمص بثوب اللاجئ المقهور والملاحق في وطنه. وتناسوا كمية الصور والمشاهد التي وثقت جرائمهم..
ولكن السواد الأعظم من اللاجئين انتبهوا للخديعة وبدؤوا بملاحقتهم ونشر صورهم في بلدان اللجوء، وفضح جرائمهم ونشرها مجددا على الشبكة. وهذا جيد، إذ إن هؤلاء المجرمون حجزوا لأنفسهم مقاعد اللجوء التي يفترض أن تستبدل بزوايا السجون، وأخذوا الحق من أصحابه كما أخذوه أول مرة.
نحن السوريين مصيبتنا في بلدنا كبيرة ولا داع للمواربة. إلا أن المصائب إلى زوال، طالما أن هنالك إرادة للحياة. وسيزول معها الظلم. ولكن الظلم لن ينتهي إلا بتحقيق العدل. والعدل أن ينال المجرم عقابه. ونستطيع القول إن العالم بأسره قد هب لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب في أصقاع الأرض كافة وابتداءً من ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية مرورا بيوغسلافيا ومن ثم راوندا. ونستطيع القول إن المجتمع الدولي قد أرسى قواعد نظام دولي فعال للمساءلة الجنائية عن الانتهاكات التي تستهدف الإنسانية ولجديته في الحساب والعقاب فإن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لا تخضع للتقادم مهما مر عليها من وقت استنادا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية الموقعة عام 1968 والمنفذة ابتداءً من عام 1970.
إذن، فالتبليغ عن أولئك المجرمين للسلطات المختصة في ألمانيا تمهيدًا لمحاكمتهم في بلد اللجوء استنادًا للاتفاقيات الدولية يجب أن يكون أمرا ضروريًا لنا نحن السوريين فهو واجب اخلاقي وواجب إنساني وواجب تفرضه المدنية، ويفرضه الحق والعدل. على أننا نشعر بالاسف البالغ لوصول بعض السوريين، وهم قلة، إلى هذا الدرك المظلم.
مقالات ذات صلة: