مارتينا نيس
ترجمة سرى علوش
من أنت، ومن هو الآخر؟ من المنظور النفسي تجيب الـ”هوية” على السؤال بعد أن يتم اجتياز حالات أو ظروف يخرج منها الإنسان بنفس التصور عن ذاته بينما تتغير الحياة والمواقف في الخارج باستمرار.
ما هو مفهوم التساوي الداخلي لدى الإنسان؟ الهوية هي فعل بناء اجتماعي، ومن أجل معرفة نفسك فأنت بحاجة إلى مقارنة. منذ الطفولة يبدأ الإنسان بمقارنة نفسه مع الآخرين والتعرف إلى أوجه التشابه والاختلاف معهم، فيكتشف أناسًا وصفات تعجبه أو لا تعجبه، وبشكل طبيعي يقوم المرء بتوجيه نفسه باتجاه هؤلاء الذين يمنحونه الشعور بأنه مقبول.
في البداية تمنحنا العائلة بيئة آمنة لننمو ونكتشف ذواتنا، ثم في المدرسة وفي سن المراهقة نتعامل أكثر وأكثر مع مجموعات أخرى من الناس يصبحون عاملاً مهمًا في حياتنا. تصبح عملية المقارنة غير المنتهية أقوى وأكثر صعوبة حيث نبدأ بإدراك المزيد من الصفات والآراء وطرق التفكير والتصرفات المختلفة، ويصبح الإنسان بحاجة للمساعدة في خضم هذا الدفق المستمر من المعلومات حيث سيكتشف قريبًا مؤشرات ودلالات تمنحه يقينًا سريعًا فيما إذا كان وحيدًا أو هنالك آخرون معه.
يقوم الدماغ بربط المعلومات بالصور بشكل سريع. من خلال تجميع المعلومات، ووفقًا لقاعدة من المؤشرات والعلامات يقوم باختزال فيض المعلومات، وسرعان ما نعلم أن الرجل أو المرأة اللذين يرتديان سترة بيضاء؛ هما طبيبان أو ممرضان، والذي يرتدي زيًا عسكريًا يعمل في الجيش أو الشرطة.
يعتمد الأمر على المكان الذي ننشأ فيه، في أي بلد أو جزء من الأرض أو مدينة، وما هي المعاني التي يربطها الدماغ بالصور، وما إذا كانت الصورة تدل على طلب المساعدة أو ضرورة توخي الحذر. تسمح عملية بناء القوالب النمطية للدماغ باتخاذ القرار في غضون ثوان بخصوص ما يمكن توقعه من حالة أو إنسان. وباختزال الحقيقة يقوم بتوجيهنا ومساعدتنا على النجاة في هذه الغابة من المعلومات والانطباعات والسماح لنا بتحديد هويتنا مقارنة مع الآخرين. وهكذا فإن بناء الهوية يحتاج صورًا نمطية لا يمكن تشكيل هوية في غيابها.
الصعوبة الحقيقية والتحدي أمر مختلف. يتم اختزال الإشارات والاستنتاجات بناء على خبراتنا وتجاربنا الخاصة، وفي بعض الأحيان حتى بناء على خبراتنا بالناس الذين نثق بهم في بيئتنا القريبة أو مع أناس يشكلون قدوة بالنسبة لنا. كلما زادت خبراتنا مع شخصيات خاصة كلما ربطنا بهم مشاعر خاصة، حتى عندما يكون ذلك عبر الإنصات لآخرين دون أن نجرب بأنفسنا. إن عملية بناء الأحكام المسبقة وربط الصفات والصور النمطية بالتقييم، هي الخطر الحقيقي، حيث يقلل ذلك من أهمية الخيال ويصبح “الرجل ذو اللحية الطويلة سلفيًا”، “والأشخاص البدينين يفتقدون مرونة الحركة”، “والذين يرتدون النظارات الطبية أكثر ذكاء من غيرهم”. لكن الناس لا يتشكلون من صفة واحدة فقط، ولا يمكن أن نجد نفس مجموعة الخصائص في شخصين مختلفين، وحتى عندما يكون لديهم صفات مشتركة سيختلف لديهم السلوك وطريقة التفكير كليًا. ولذلك يجب أن نكون حريصين وواعين تجاه الأحكام الثابتة الموجودة لدينا.
لا يجب أن يخشى المرء القوالب النمطية كثيرًا حيث أنها مفيدة إلى حد تسمح للإنسان من خلالها بتحديد هويته، لأنها تمنحه التصنيفات والأسماء التي يمكن التعبير عن الهوية من خلالها، وتساعده على إيجاد وتمييز الأصدقاء والمشاعر في المنزل. أما بالنسبة للأحكام المسبقة فيجب الحذر، وربما علينا أن نتذكر ما يقوله أستاذي: “إن الحكم المسبق هو مجرد حكم أولي يسبق الحكم التالي”.