خاص – أبواب
يعاني المهاجرون من الناطقين باللغة العربية من ندرة المنتج الثقافي الخاص بالأطفال بلغتهم في عموم أوروبا، ومن عدم مواءمته غالباً -في حال تواجده- للبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل، وذلك لأن معظم المواد التعليمية والثقافية باللغة العربية يتم إعدادها في البلاد العربية، ومن ثم تصديرها إلى منطقة الاتحاد الأوروبي، وإضافةً إلى عدم احتوائها على مواد جاذبة للطفل فإنها مرتفعة السعر بسبب سعر الشحن الذي يكون أحياناً أغلى من الكتاب نفسه.
واستجابةً لهذه الحاجة أطلقت مؤخراً أول مجلة أطفال منتظمة باللغة العربية في أوروبا تحت اسم “مجلة مريم”، يتم إعداد هذه المجلة هنا حسب المعطيات الاجتماعية والثقافية التي يتعرض لها الطفل في بلد إقامته الجديد، وهي مجلة ورقية تصدر شهرياً، قام بإنشائها لاجئان سوريان أحدهما مقيم في ألمانيا (رعد أطلي) والآخر في السويد (محمد قنطار).
ويقول رعد أطلي رئيس التحرير “نشأت الفكرة بدايةً من حاجتنا الماسة أنا ومحمد لتوفير كتب وقصص أطفال باللغة العربية لأطفالنا، ولكننا لم نجد إلا مواداً بجودة منخفضة في معظم الأحيان وسعر مرتفع، وزادت الفكرة ترسخاً أثناء عملنا كمساعدي مدرسين في المدراس السويدية والألمانية، حيث لاحظنا أن الأطفال المتمكنين من لغتهم الأم يكونون أسرع تعلماً للغات الأوروبية في البلدان التي يعيشون بها، بسبب قدرتهم أكثر على فهم منطق التعاطي مع اللغة بحد ذاته، وماهية القواعد والتصريفات إلى غير ذلك، كما أنهم يصبحون أكثر اندماجاً في المجتمعات الأوروبية وعلاقاتهم مع أصدقائهم في المدرسة أكثر توازناً، لأن اطلاعهم على اللغة أكسبهم استيعاباً أكبر لثقافتهم ولثقافة الآخر”.
وبحسب المؤسسّين تسعى المجلة للمساهمة في بناء شخصية متوازنة للطفل تجمع بين القيم الإيجابية في الثقافتين الشرقية والغربية، من التسامح وقبول الآخر والالتزام بالعمل واحترام الحريات والمساعدة والنخوة والضيافة.
وحول ميول المجلة يجيبنا أطلي “المجلة تعتمد على ترسيخ القيم المجردة من الصدق والمحبة والعدالة والكرم…الخ، ولا تتبنى أيديولوجيات أو توجهات معينة، لكي تكون مقبولة من الجميع، وتهدف فقط لتثقيف الطفل وإمتاعه وتعليمه اللغة العربية، وهي ليست موجهة للأطفال العرب فحسب، بل لكل الأطفال المتحدرين من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من عرب وأكراد وأمازيغ وأقباط وغيرهم، ممن يرغبون بتعليم أطفالهم العربية على اعتبارها الوعاء الحضاري والثقافي للمنطقة”.
المجلة هي المنتج الأول لشركة Atli & Kentar Verlag للطباعة والنشر والتبادل الثقافي، وتسعى الشركة لإنتاج مواد أكثر تنوعاً ولشرائح عمرية مختلفة، كما تسعى للنشر مستقبلاً ليس باللغة العربية فحسب، وإنما بالمحرف العربي، أي اللغات التي تكتب بالحرف العربي، مثل الكردي “الصوارني” والفارسي والباشتوني.
سيكون الإصدار الأول للمجلة في شهر أيار القادم، وستصدر شهرياً ضمن أسعار مدروسة لتتناسب مع القوة الشرائية للمقيمين في أوروبا، وهذا السعر مناسب حتى العائلات التي ما زالت تتقاضى دخلها من الخدمات الاجتماعية، وسيتم تقديم المجلة بجودة عالية ومحتوى غني موزع على أربعين صفحة ويتناسب مع الشرائح العمرية بين 5 إلى 13 سنة، إضافة لبعض الصفحات المخصصة للأطفال ما دون الخمس أعوام، وتصل المجلة على العناوين المحددة بتكلفة مجانية للشحن، ويتم حجز مجلة مريم على الموقع الرسمي لها www.mariammagazine.de .
تعد مجلة مريم للأطفال مبادرة جديدة من النشاطات العديدة التي يقوم بها اللاجئون السوريون في أوروبا ومناطق محتلفة من العالم، وتسعى لتحسين فرص الاندماج بالمجتمع الأوروبي بطريقة سليمة لا ينسلخ فيها الطفل عن ثقافته الأم.
ولابد من الإشارة إلى أن النزوح الأخير للسوريين بحثاً عن ملاذ آمن لم يشكل نزوحاً جماعياً وحسب، بل واجتماعياً أيضاً، حيث أن مجتمعات كاملة هربت من نار الحرب هناك، وهي تحتاج إلى ما يلبي متطلباتها الثقافية من لباس وزينة منزل ووسائل معرفية خاصة، وعلى الفور انتشرت محلات الملابس الشرقية والإكسسوارات المنزلية، وبالطبع كان لا بد من تلبية الاحتياج الواسع إلى الكتب باللغة العربية لاسيما الخاصة بالأطفال، ورغم وجود مبادرات سابقة، إلا أنها لم تغير من طبيعة السوق، ومن هنا قد تكون مجلة مريم قادرةً على تحقيق التغيير المطلوب.
اقرأ أيضاً:
“فكرة” مدرسة جديدة لتعليم اللغة العربية في برلين، بعيداً عن الربط التقليدي ما بين اللغة العربية والدين
مهرجان الفيلم العربي في برلين.. البدايات والنجاحات في حوار مع د. عصام حداد رئيس مركز فنون الفيلم والثقافة العربية
هل ستدرج اللغة العربية كلغة أجنبية في المدارس الألمانية؟