تتواصل في كوبلنز في ألمانيا محاكمة ضابط المخابرات الأسبق أنور رسلان ، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بينها التعذيب والاغتصاب والقتل. المحاكمة الأولى من نوعها في العالم ضد عناصر من نظام بشار الأسد، أثارت جدلاً واسعاً بين من ينتظرون تحقيق شيءٍ من العدالة للضحايا، وبين من يستنكر ملاحقة ضباط أو مسؤولين انشقوا عن نظام الأسد وقد يتحولون إلى أكباش محارق لاغير وفيما يبدو حتى انتقاماً يسعد النظام ذاته الذي انشقوا عنه، في وقتٍ استمر مئات غيرهم في ارتكاب الجرائم داخل سوريا لسنوات طويلة وبعضهم يعيش رفاهه وحريته في أوروبا الآن.
آخر الشهود في مواجهة رسلان كانت السيدة لينا محمد، والتي تأتي خصوصية شهادتها أولاً من كونها التقت بأنور رسلان مرةً قسراً في أثناء تحقيقه معها عند اعتقالها الثاني في فرع الخطيب، ثمّ مرةً أخرى طوعاً بعد انشقاقه في الأردن. وثانياً لكونها أول امرأة يتم سماع شهادتها في هذه المحاكمة.
عن سبب دعوتها أو تقدمها للشهادة تقول لينا:
أعتقدُ أنني مثل العديد من السوريين فقدت الأمل من معاقبة النظام السوري، فالنظام العالمي لا يملك الرغبة بتغيير النظام السياسي الأمني في سوريا. ولكنني من جهة أخرى أؤمن بأن لا عدالة في هذا العالم إذا لم نصنعها بأنفسنا، لذلك عندما تم توقيف أنور رسلان في ألمانيا شعرت أن هناك بوادر عدالة تحوم في الأجواء، فتشجعت على الإدلاء بأقوالي ولكن بدون حس انتقامي. لذلك حين تم التواصل بيني وبين المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR في وقت سابق من عام 2019 قدمت لهم تفاصيل عن اعتقالَيّ في فرع 251 المعروف بفرع الخطيب التابع للأمن الداخلي السوري.
وبعد عدة نقاشات مع محاميي المركز، تم تحديد موعد مع المدعي العام الألماني لسماع أقوالي. وتم ذلك في نفس العام 2019، بوجود المحامية التي عينها المركز مشكوراً للتواجد معي، وممثليَن اثنين عن الشرطة الفرنسية (امرأتان)، والمدعي العام وزميل آخر له، وزميلة لي طلبتُ شخصياً تواجدها معي، والمترجمة.
بعدها تم سؤالي إذا كنت أرغب بأن أدلي بشهادتي أمام المحكمة في حال بدأت. فوافقت على الحضور بصفة شاهد. وعلى هذا الأساس تم إرسال الدعوة لي من قِبل القاضي Stefan Wiedner عندما بدأت إجراءات المحاكمة وسماع الشهود.
تحدثتْ لينا أيضاً عن تفاصيل اعتقالها الأول والثاني كما أوردتها أمام محكمة كوبلنز:
ذكرتُ لهم بعض التفاصيل التي نعتقد كسوريين أنها بديهية ولكن كان من الضروري ذكرها أمام المحكمة. اعتقالي الأول كان بـ 2 أيار 2011 حتى 16 أيار 2011 من مظاهرة نسائية في ساحة عرنوس وسط العاصمة دمشق.. وكنا فقط حوالى 30 امرأة ولم نكن بالآلاف كما يتبادر للذهن عند سماع كلمة مظاهرة.
كنت الفتاة الوحيدة التي تم اعتقالها من هذه المظاهرة. لكنهم اعتقلوا عدة شباب. في البدء أخذونا جميعاً إلى الفرع 40 المعروف بفرع حافظ مخلوف. هناك تم ضربنا بدءاً من باب الفرع. ثم أخذوا بياناتنا ووضعوا الطماشة على عينيّ والأتاشة على يديّ، وأخذوني إلى مكان آخر (لم أكن أعرف إلى أين، وعندما وصلنا لم أكن أعرف أنني في فرع الخطيب حالياً).
هناك، على باب الفرع استقبلنا “أبو شملة الجلاد الشهير في الفرع” حيث تم ضرب الشباب بشكل هستيري، وأنا اكتفوا بـ (كفكفتي). ثم فصلوني عن الشباب وتركوني أنتظر في (كوريدور) الفرع لعدة ساعات واقفة ووجهي إلى الحائط.. وكما نقول بالعامية كنتُ ملطشة للعناصر، اللطش كان يتم باليدين والرجلين ومرة بالعصا الكهربائية، وكان هناك العديد من المعتقلين الجاثمين على ركبهم ووجههم إلى الحائط عراة الصدر وآثار الضرب واضحة على أجسادهم. (ذكرت للقاضية أني أستطيع أن أرى من تحت الطماشة بزاوية حادة باتجاه الأرض).
ثم تم التحقيق معي عدة مرات لمعرفة من كان في المظاهرة وأسئلة متفاوتة في سخافتها على سبيل المثال، من يدعمني، من يدفع لي وهكذا. أثناء التحقيق كان هناك دائماً عنصر ورائي أرجّح أنه (أبو شملة) كانت مهمته صفعي كلما أجبت إجابةً لا تعجبهم.
طبعاً التحقيق كان دائماً مترافقاً مع شتائم وتحرش لفظي وتهديد بالاغتصاب. لذلك كنت دائماً أتوقع الأسوأ، وكنت أفكر كيف من الممكن الاستعداد لمثل هكذا موقف، الاغتصاب.
بعد كل هذا الضغط أخذوني إلى المنفردة. (في هذه اللحظة استدركت.. فسألت القاضية فيما إذا كانت تود أن تعرف ما هي المنفردة، فأجابت: نعم. فأشرت إلى الطاولة وقلت إنها بحجم هذه الطاولة، دون نوافذ، هناك فقط نافذة صغيرة على بابها مغلقة من الخارج. بمعنى أخر هي بحجم القبر). بقيت في المنفردة أربعة أيام ” ثلاث ليالٍ:، لم أخرج منها إلا إلى الحمام، مرة واحدة في اليوم، وكانت هذه معاناة أخرى، لأن العناصر كان يمارسون هوياتهم بالضرب ذهاباً وإياباً.
قبل يوم من تحويلي إلى إدارة المخابرات العامة في كفرسوسة جلبوا إلى المنفردة امرأة ستينية (هي التي أخبرتني أننا في الخطيب) كان قد تم اعتقالها مع أولادها بجملة من تم اعتقالهم في حملة للجيش على منطقة التل. حيث أنهم تقصّدوا ترك نافذة منفردتها مفتوحة لتشهد تعذيب أولادها أمام عينيها، وعندما انهارت من الصريخ والبكاء جلبوها إلى المنفردة التي كنت فيها. (هنا سألتني القاضية: هل هم أطفال؟ فأجبت بأن المرأة لم تذكر أنهم أطفال، وأنا لم أر أطفال في السجن، ولكن بما أنها ستينية فكم سيكون عمر الصغير فيهم؟.. ربما عشرينات).
بعدها تم تحويلي إلى إدارة المخابرات العامة. وهناك بقيت عدة أيام قبل تحويلي إلى عدرا ثم تركي. (لم أخض في هذه التفاصيل كَون المحاكمة حول فرع الخطيب تحديداً، وأنا بالطبع تجنّبت قدر الإمكان عدم تشتيتهم بتفاصيل لا تُفيد هذه القضية)
تحدثت لينا بعد ذلك عن اعتقالها الثاني الذي استمر لمدة أسبوع، حيث اعتقلت من أمام مبنى مجلس الشعب، مع حوالي 40 فتاة وشاب أثناء اعتصامهم ضمن حملة “أوقفوا القتل” بتاريخ 12 نيسان 2012
تقريباً تم ضرب كل من تم اعتقالهم في الشارع مقابل مجلس الشعب، وخاصة امرأة أتحفظ عن ذكر اسمها لأني لم أستأذنها، حيث قاموا بضربها بهمجية وخلع حجابها وتمزيق (المانطو الذي كانت ترتديه).
بعد أن اعتدى الأمن علينا في الشارع تم وضعنا تقريباً جميعنا في (فان) يتسع لـ 12 شخص، فعرفت من الشوارع أننا في طريقنا إلى الـ (40)وهناك تم ضربنا بشكل لا يوصف لمدة طويلة لا يمكنني تقديرها (لأنه بكل الأحوال ستشعر بأن الوقت طويل). تم التنكيل بنا والتحرش المقرف وتقصّد توجيه الضربات على المناطق الحساسة للنساء والرجال على حد سواء وضرب رؤوسنا بالحائط. هذا غير السباب والشتائم والتهديدات، وبصقوا في وجوهنا و(دَعوَسونا) واستخدموا عصي متفاوتة الحجم وأيديهم وأرجلهم.
ثم تم أخذ بياناتنا وحولونا إلى فرع الخطيب. وهناك فصلوا النساء عن الرجال، ووضعونا نحن النساء في غرفة تهييئاً لتفتيشنا، أثناء ذلك جاء شخص بلباس “مدني رسمي” وقام بتهديدنا بالتعذيب والاغتصاب مستنداً إلى وجود فتيات في بداية العشرينات من عمرهنّ، وكانت علائم الخوف من المجهول بادية على وجوههن. فاستغل هذه النقطة ليلعب بأعصابهن، مردداً أن عناصره لم يروا امرأة منذ وقت طويل وأنّنا سنكون هدية رائعة لهم. ثم قال رح نخلي أصواتكن توصل لأهاليكن لأنهم ما عرفوا يربوكن. ثم التفت إلي وقال لي: وينو أخوكِ؟ هلأ ما جبناه.. بس رح نجيبه قريباً.
ثم ذكرت للمحكمة أنه بعد سنة تم اعتقال أخي (جهاد) وأنه منذ ذلك الحين لا نعرف عنه شيئاً، تجنبت ذكر تفاصيل خاصة فقط بجهاد لأن القضية عامة، والمحكمة خاصة بفرع الخطيب.
“هنا سألني أحد المحامين المتواجدين في القاعة: ماذا أراد هذا الرجل ذو اللباس المدني الرسمي من جملة: رح نخلي أصواتكن توصل لأهاليكن؟ هل تعتقدين أنه نوع من الابتزاز الجنسي بأنه يستطيع أن يتحرش مثلاً أو يغتصب وهو واثق أن النساء لن يتكلمن عن ذلك بعد خروجهن؟
كان جوابي طبعاً أنه ابتزاز.. لأن الشعب السوري عموماً شعب محافظ ومسألة الشرف مسألة حساسة. وأنا أعرف العديد من الفتيات اللواتي تعرّضن للتحرش أو الاغتصاب ولم يتكلمن عن ذلك “إلا في نطاق ضيّق” لأسباب اجتماعية. وبعضهن تعرضن للعزل الاجتماعي. وذكرت أن هناك فيلم من إنتاج فرنسي لمخرجة فرنسية تكلم بالتفصيل عن هذا الموضوع حيث ظهر في الفيلم عدة نساء صوتاً وصورة مع أسمائهن الكاملة لروي ما حدث لهن. وأن الاغتصاب لم يكن حكراً ضد النساء، وأن هناك شخص من دير الزور قدم شهادته التي قال فيها أنه تم اغتصابه وهو مكبل ولم يكن باستطاعته الدفاع عن نفسه. وأن شهادته موجودة على الإنترنت.
وعندما سألني محامي الدفاع (محامي أنور رسلان) عن تفاصيل الفيلم الذي يتحدث عن النساء وعن التواريخ الواردة به أجبت: أنه يمكنك مشاهدة الفيلم وأخذ ما تريد من المعلومات. وأنا كمتابعة لهذا الفيلم سأفكر كيف أن هؤلاء النساء مشتتات في بقاع الأرض، وأن مغتصبيهم ما زالوا على رأس عملهم ويمارسون حياتهم بشكل اعتيادي. وأنا لست دفتر تواريخ لك”.
بعدها تم تفتيشنا بشكل دقيق حيث أدخلونا واحدة تلو إلى الأخرى إلى غرفة صغيرة معتمة، كان هناك امرأة أعتقد أنها ممرضة تم طلبها من مشفى الهلال الأحمر المجاور للفرع. طلبَت مني التعري تماماً، فتشتني وفتشت ثيابي ،وطلبت مني القيام بحركات الأمان (وضعية القرفصاء والوقوف) عدة مرات للتأكد أني لم أخفِ شيئاً في المناطق الحساسة! (لا أعرف ماذا يمكن أني أخفي)!
أخبرت القاضية أني شعرت شخصياً بأن هذا المكان كان أو مازال يستخدم للتعذيب لأنه كان ذو رائحة قوية نتنة وكان هناك بعض الأدوات (كابل، عصي) على الأرض، وآثار على الجدران أعتقد أنها دماء. ثم تم وضعنا في المنفردات. وتم التحقيق لاحقاً مع كل واحدة على حدىً.
بعد ذلك بيومين كان لقاء لينا الأول مع أنور رسلان أثناء تحقيقه معها:
بالتأكيد لم أكن أعلم أن اسمه أنور رسلان. ذكرت للمحققة أن السيد رسلان بدا لطيفاً وقد وبّخ العنصر الذي جلبني من المنفردة وقال له: “ألف مرة قلتلكم ما تجيبولي ياهم مطمّشين”، وأمره بأن يزيل الطماشة عن عينيّ، والأتاشة عن يديّ. وطلب مني الجلوس. وسألني “بدك تشربي شي.. قهوة؟!”.. أنا طبعاً كنت مرعوبة فقلت: لا شكراً. ثم سألني أسئلة عامة عن أهلي ووالدي.
شرحت للقاضية أن مكتبه كان فخماً فيه طاولة ذات خشب غالٍ، وكان هناك مكتبة وكنبات وصورة كبيرة لبشار الأسد في صدر المكتب.
ثم ذكرت للمحكمة أن هذا اللقاء/ التحقيق استمر حوالى 20 دقيقة، قبل أن يسألني أنور رسلان عن الوضع في الغوطة، أنا هنا طبعاً كنت خائفة لأنه طوال ذلك الوقت كنت شديدة الحرص أثناء نشاطي في الغوطة على استخدام اسم آخر وعدم إعطاء أي تفاصيل شخصية عن مكان سكني مثلاً أو عملي أو ما إلى ذلك، ولكن عندما سألني هذا السؤال شعرت بأني الآن مكشوفة. ولكن جوابي كان حاسماً وواثقاً بأني لست من هناك، ولا أعيش هناك، وليس لدي ما أفعله في منطقة مثل الغوطة.
ثم نادى للعنصر وأمره بإرجاعي إلى المنفردة. وقبل خروجي من مكتبه قلت: أنا لا أصدق أن الجيش نزل إلى الشارع ليقتل العالم بهذه البساطة، لكن رسلان لم يجب، واكتفى بهز رأسه. ثم سألته ما إذا بالإمكان أن أدخن سيكارة. فطلب من العنصر أن يعطيني واحدة، وأمره أن يدعني أدخن في الممر، ثم إرجاعي إلى المنفردة.
أقوال أنور رسلان أعطت معلومات وتواريخ مخالفة لما ورد في شهادة لينا، وعن ذلك تشرح لينا بالتفصيل:
ذكر النائب العام أن أنور رسلان أثناء التحقيق معه قال: أنه التقى بي في شهر نيسان 2011 في السجن، فأجبت بأن التاريخ غير صحيح إنما هو نيسان 2012. ثم قال أنه سألني عن عملي فقلت بأني أعمل كصحفية في الـBBC هنا قاطعتُ المحامي قائلةً أني أعتقد أن رسلان يتحدث عن شخص آخر، لأن اعتقالي لم يكن بالاسم إنما بشكل عشوائي من الشارع، وأني لم أعمل مطلقاً في الـBBC.
ثم أردف النائب العام أن السيد رسلان طلب من رئيس الفرع إخلاء سبيلي لأن نشاطي سلمي ويتمحور حول حرية الصحافة. فقاطعت المحامي ثانية وقلت أن هذا لم يحصل وكررت بأني أعتقد أنه يتحدث عن شخص آخر. وهذه حقيقة أنا فعلاً أعتقد أنه خلط بيني وبين شخص آخر. تقول لينا لأبواب في تعليقها “ماشاء الله على كثرة الأشخاص الذين تم اعتقالهم في عهده لم يعد يميّز الوجوه وتفاصيل التحقيقات ومجرياتها”.
بعدها تم نقلنا إلى إدارة المخابرات العامة حيث بقينا أربعة أيام ومنها إلى محكمة القصر العدلي بعدها تم ترْكنا من المحكمة مباشرةً (وهنا أيضاُ لم أخض بالتفاصيل لنفس السبب السابق).
“ذكرت أمام المحكمة أنه من المحتمل أن هذا اللطف وهذه المراعاة، كانت بسبب مصادفة بدء حملة (أوقفوا القتل) مع وجود “كوفي عنان” في سوريا، وهذا شكّل ضغطاً على النظام بأن من تم اعتقالهم هم نشطاء سلميون ولا مبرر لإيقافهم”.
من خلف الجدران كانت لينا تسمع صوت لسعة الكرباج على الجلد:
ذكرتُ في المحكمة أنه في كلا الاعتقالين سمعت أصوات الشباب الذين كانوا يُعذَّبون. كانت أصوات هستيرية، كان بالإمكان سماع صوت لسعة الكرباج على الجلد. وكانت هذه الأصوات لا تهدأ. لقد كنت فعلاً محظوظة بأني لم أتعرض لهذا النوع من التعذيب. ذكرت بأنه لا يمكن التمييز بين الليل والنهار داخل الفرع إلا من خلال وضع أغاني فيروز في الصباح التي كانت تختلط مع أصوات التعذيب. وذكرت أنهم عمدوا إلى إطفاء الأنوار من وقت لآخر كنوع من الضغط النفسي على المعتقلين والمعتقلات. وأن أحد المعتقلين انهار من شدة العتمة وكان يضرب على باب منفردته بشكل جنوني وهو يقول مشان الله بحكي يلي بدكن ياه بس افتحوا الباب. (لك أن تتخيل أنه لا رابط بينك وبين الحياة إلا أصوات التعذيب والعتمة الشديدة).
تم سؤالي عن أدوات التعذيب المستخدمة في السجون عموماً فأجبت أنه من تجارب الأصدقاء والصديقات في مختلف الأفرع الأمنية أعلم أنه تم استخدام الشبح ومختلف أنواع الكرابيج البلاستيكية والرباعية والكهرباء والدولاب وإطفاء السجائر على الأجساد والضرب العشوائي والاغتصاب.
اللقاء الثاني مع رسلان بصفته ضابطاً منشقاً:
هربتُ من سوريا في أواخر عام 2013، إلى الأردن، هناك التقيت بـ ع.ص المنشق عن النظام السوري، وفي إحدى المرات عرض عليّ صورة له مع شخص آخر وسألني مازحاً ما إذا كنت أعرف هذا الشخص، في البداية لم أميّزه، وعندما كرر “ع.ص” سؤاله وقام بتذكري. الخطيب.. التحقيق.. قلت: والله يمكن هاد يلي حقق معي وخلاني دخن.
عندها فقط علمت أن اسمه أنور رسلان وأنه انشق عن النظام منذ فترة وجيزة. ثم سألني “ع.ص” لو أود مقابلته، فقلت نعم. لدي الرغبة بلقائه. كنت أشعر بسوريالية المشهد. سأشرب الشاي مع سجاني. فاتصل به ورتب معه موعداً مباشرة في نفس اللحظة.
التقينا جميعاً في أحد مقاهي عمان، تهيأ لي أنه عرفني، لأنه قال لي حرفياً: “عندما سألتك عن الغوطة كنت أريد أن أعرف إمكانية تأمين نفسي وعائلتي إلى هناك”.
فقلته له: عم تمزح يا زلمة.. يعني بالفرع وبعد الضرب والخوف وما منعرف إيمت منشوف الشمس مرة تانية وعم تسألني عن الغوطة.. يعني شو بدك ياني رد؟!!! بعدها تكلمنا في العموميات وقد أخبرت المحكمة بأني شخص غير فضولي، لذلك لم يكن لدي الرغبة لمعرفة معلومات أو حَمْل معلومات أنا غير مضطرة لمعرفتها أو حملها.
“عند هذه النقطة تلا النائب العام ما ورد في استجواب أنور رسلان عن لقائه بي حيث قال: أنه يعتقد أنني أريد مقابلته لأشكره على حسن معاملته لي! وقال أن مي اسكاف كانت موجودة في هذا اللقاء وأنه تبادل معها أطراف الحديث. فلقت: أن هذا غير صحيح، وأن مي اسكاف لم تكن حاضرة في هذا اللقاء.
أحد القضاة سأل لينا: عندما التقت برسلان، هل اعتذر منك؟ هل طلب العفو أو السماح؟
فأجابته “لا. لم يفعل ذلك”.
وعن موقفها من كل الجدل واختلاف وجهات النظر حول محاكمة رسلان بين من يعتبره مجرد كبش فداء على اعتبار انشقاقه، وبين اعتباره مجرماً وأنّ انشقاقه لا يجبّ ما ارتكبه سابقاً بحكم منصبه؟
ذكرتُ في المحكمة بأني أعتقد أن كل من عمل ويعمل في سلك المخابرات هو سيء بالضرورة. لا أحد يُجبَر على أن يعمل في هذا السلك. إلا إذا كانت لديه دوافع سلطوية. وأن كل من يعمل في هذا السلك يملك القوة والقرار والسلطة.
ولكن بالعموم إذا كنتَ تعمل ضمن المنظومة الأمنية للأسد لا يمكنك أن تترك منصبك هكذا ببساطة لأن هذا سيترتب عليه عواقب وخيمة. وأنا أعتقد أن الثورة السورية أعطت الفرصة للعديد من الضباط والعاملين في المراكز الحساسة في سوريا للانشقاق وللتعبير عن معارضتهم للنظام. وفي نفس الوقت هناك العديد من الأشخاص كانوا مرسلين من قِبل النظام لتغذية الفصائل الإسلامية والعنف والإساءة للثورة.
وذكرتُ أن معظم الذين انشقوا في عامي 2011 و2012 أعلنوا انشقاقهم صوتاً وصورةً وعملوا للثورة من داخل سوريا، وأن أنور رسلان لم يفعل ذلك. وذكرت أننا وحيدون، في ظل التجاهل العالمي لإجرام النظام لذلك كنا نتحمس لأي شخص ينشق لأنه في قناعتنا أن أي شخص يترك مركزاً حساساً، سيكون فيه إضعاف للنظام. وهذه القناعة نابعة من إيماننا بأن المنشقين من المراكز الحساسة يملكون وثائق تدين النظام السوري.. وأنا حقيقةً لا أعلم إذا كان رسلان قد قدّم هذه الوثائق أم لا.
وبهذا الصدد قالت لينا لأبواب أنها تتمنى أن يكون رسلان قد قدم أو أنه سيقدّم الوثائق المطلوبة ويعترف بما حصل داخل الفرع عندما كان على رأس عمله قبل الثورة وقبل انشقاقه. ولكن بكل الأحوال لا رحمة لمن يتستر على جرائم النظام.
أثناء شهادتها لم ترغب لينا في نشر اسمها للإعلام، وعند سؤالها عما دفعها لتغيير رأيها أجابت:
لأن اسمي لا يعني شيئاً ضمن كل ما يحدث.. ما يهم هو المعلومات التي أتمنى أنها ستفيد المحكمة، ولكن بعد طلب العديد من الصديقات والأصدقاء بأن أفصح عن إسمي لأن هذا سيعطي مصداقية أكبر لمجريات المحاكمة ولقضيتنا، اقتنعت.
هل هناك أمل بأن تجلب هذه المحاكمة بعض العدالة؟
نعم تقول لينا، وكما قال أخي جهاد يوماً: ستنتصر القلوب الدافئة.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً:
جرائم العنف الجنسي لنظام الأسد أمام القضاء: حوار مع الحقوقية والباحثة جمانة سيف