تم ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي (المنتدى الموسّع) عرض الفيلم الوثائقي السوري “أرض المحشر” الذي يغطي جانباً من الأيام الأخيرة لحصار حلب، الفيلم للمخرج السوري ميلاد أمين بالاشتراك مع غيث بيرم وهو من إنتاج بدايات.
يتيح الفيلم من خلال محادثات الصديقين نظرةً قريبة لما تعرض له المدنيون تحت الحصار في حلب، وكفاحهم ضد الجوع والحصار والحرب، بينما ينتظرون مصيرهم في مكانٍ أصبح الموت فيه لعبة يومية.
التقت أبواب مع المخرج فحدثنا عن فيلمه وعن تجربته الفنية:
ميلاد أمين خريج كلية الفنون الجميلة، عمل في بيروت في مجال النحت، والـ(conceptual art) وعرض بعض أعماله في بريطانيا.
ثم عاد إلى سوريا حيث عاش ما بين دمشق ودوما عام 2013 بعد طرد سلطة النظام منها مباشرة، يقول ميلاد: “عندما بدأ حصار دوما كان الخيار أن نخرج منها أو نبقى ونُحاصر، فقررنا البقاء وأنجزت فيها مشروع غرافيتي اسمه “الصحراء”، ومشروع رسم مع الأطفال مع مؤسسة “نبع الحياة”، وعملت كمصوِّر لوكالة رويترز”.
أمضى ميلاد تقريباً سنة ونصف في دوما، منها عشرة أشهر تحت الحصار، وفي فترة الحصار تعرف على “غيث بيرم” شريكه في الفيلم. وفي النصف الثاني من العام 2014 غادر إلى بيروت.
من دوما إلى حلب وكيف جاءت فكرة الفيلم
غادر غيث بيرم دوما بعد قصف منزله إلى إدلب بهدف السفر إلى تركيا. لكنه حوصر في حلب عام 2016، عندما دخل مع قافلة مساعدات بهدف تصويرها، وبقي تحت الحصار حوالي 4 أشهر، حيث تم تصوير الفيلم في الأيام العشرة الأخيرة.
يقول ميلاد: “تعلمنا خلال الثورة أن نوثق كل شيء لأننا لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث في أي لحظة أن نصور كل ما يحدث حولنا بشكل دائم، وكنا نناقش الفرق بين الخسارة والهزيمة والاستسلام، ونريد أن نقوم بمشروع يقوم على هذه الفكرة.”
ومن هنا قرر غيث وميلاد صنع الفيلم حيث كانت هناك فيديوهات تنتشر على اليوتيوب من حلب، ولكن لم يكن هناك توثيق سينمائي لما يحدث، وبدأ غيث يرسل المواد التي يقوم بتصويرها إلى ميلاد.
في تلك المرحلة كان العدو “بوتين” وهو أسوأ بكثير من الأسد. فالقصف الروسي يستهدف المدنيين ولا يقبل التفاوض ليسلم المدنيون أنفسهم بل استمر القصف رغم أن المقاومة ضده كانت شبه معدومة ولايوجد سلاح سوى مجرد “روسيات”. بعد ذلك بدأت المباحثات ويعرض الفيلم لاحقاً كيف تعرقلت عملية إخراج المدنيين بعد أن أحرق جيش الفتح الباصات التي كان يُفترض أن تُخرج أهل الفوعة في إدلب مقابل خروج أهل حلب.
فيلم عن الحالة الإنسانية العامة
يقول المخرج: لم يكن هدفنا توثيق تفاصيل الاتفاقات والضربات وغيرها من معلومات انتشرت في فيديوهات كثيرة. بل أردنا أن نتناول الحالة الإنسانية العامة. وبرأيي في الفن تكتسب الأعمال قيمتها بمرور الزمن وتعيش لفترة أطول كلما كانت أقل تفاصيلاً وأكثر عمقاً.
الفيلم بعيد عن السياسة وعن حلب كما تم تناولها في فترة الحصار، فهو يتحدث عن حالة إنسانية ونفسية، عن دائرة مشاعر انحصرت صدفةً في عشرة أيام تبدأ بالهزيمة مع دخول الجيش إلى حلب، ثم الألم والغضب مع دمار المدينة وبعدها الأمل مع مغادرة المدينة إلى نهاية مفتوحة.
بطل الفيلم ومصوره غيث بيرم، أين هو الآن؟
غيث مقيم في تركيا بشكل غير نظامي، وبالتالي لا يستطيع السفر خارجها. لكن عرض الفيلم ساعده معنوياً، بعد كل هذه الظروف السيئة التي مرّ بها
هل تعرف عن نفسك كمخرج أم نحات؟
أنا لست مخرجاً، أستطيع القول عن هذا الفيلم أنه عمل سينمائي تسجيلي صغير، وأستطيع أن أصف منحوتتي بأنها عمل فني، ولكن لا أستطيع أن أسمِّي مهنتي بشكل كامل كمخرج أو نحات. ولا أحب أن أطلق على نفسي صفة تعريفية، ولذلك أفكر بما سأضيفه حين أقوم بعمل ما بغض النظر عن من أكون كميلاد ولكن بعد مشاركة فيلمي في برلينالي صارت دوافعي أكبر لأنجز أفلاماً أخرى، وأفضل أن تكون الخيارات مفتوحة أمامي دائماً.
أنت عائد بعد فترة إلى بيروت، ولكن هل فكرت في البقاء في ألمانيا؟
السلام مغري، أن تعيش الحياة الطبيعية حيث الأطفال يلعبون ولا يعرفون شيئاً عن الحرب. ورغم أن مركز الحرب في سوريا، لكنّ أصداءها تصل إلى لبنان وتركيا. السوريون بشكل عام يشعرون في لبنان بتهديد دائم سواء من حزب الله، أو الضغط المستمر على مخيمات اللاجئين لكي يعودوا إلى سوريا.
فإذاً السلام مغري، ولكن في هذه المرحلة من عمري ما زلت أستطيع التحمل بعد. مثلما بقيت في سوريا لآخر رمق سوف أبقى في لبنان.
فيلم “أرض المحشر” سوف يعرض في عدة مهرجانات وبعد حوالي 6 أشهر، سيكون متوفراً على اليوتيوب.
خاص أبواب*
اقرأ أيضاً: