كنت أعتقد أنني من من أكثر الشخصيات هدوءاً، خاصةً أثناء عملي كطبيب أسنان حيث المهنة تتطلب ذلك الهدوء لينخفض توتر المريض الزائر، وزاد اعتقادي بذلك بعدما أخبرتني سيدة يابانية بأنها تلح بالدخول مع أطفالها إلى غرفة المعالجة فقط لتراقب هدوئي أثناء العمل، ولكن عندما التقيت بالشاب الوسيم ثائر عرفت أن هناك من هو أهدأ مني.
ثائر عرفتني عليه صديقته الألمانية الحسناء -التي عملت معي لفترة قصيرة في المجموعة الطبية لمساعدة اللاجئين- في إحدى المناسبات، قائلةً إنه وصل منذ حوالي سنة من سوريا وليس لديه الكثير من العلاقات وربما يتعرف عليّ ويمكننا تبادل الحديث معاً، فرحبت بثائر الذي بدا هادئاً، خجولاً، رقيقاً، وبقمة الاحترام، ولكنه حذر جداً من الحديث عن وضعه العائلي وخاصة بوجود صديقته الشقراء، وعلمت فيما بعد بأنه متزوج وينحدر من عائلة محافظة.
بعد تكرار لقاءاتنا لأكثر من مرة في المناسبات المقامة لللاجئين، أبدى ارتياحه الشديد لي، ثم زارني في العيادة للكشف عن صحة فمه وأسنانه، أعجبتُ بأسنانه الجيدة (حيث لاحظت لدى عدد كبير من القادمين الجدد أن الصحة الفموية سيئة نسبياً) إلا أنه رغب أن يزورني بين الفترة والأخرى، ورغم أنني عرضت عليه أن يجلب زوجته وأطفاله للكشف عن أسنانهم، إلا أنه كان يماطل دوماً، لذا لم أعد أكلمه بخصوص ذلك عندما كان يأتي إليّ فيما بعد.
في إحدى الزيارات رافقته شقراء ألمانية جميلة غير التي أعرفها، ولأنني كنت معتاداً على وجود مرافقاتٍ للمرضى فلم يخطر ببالي أنها صديقته في الحب حسبما ذكره لي لاحقاً.
في زيارةٍ أخرى طلب مني أن يصلي في العيادة فقدمت له سجادة الصلاة، وبعدها دعاني إلى تناول العشاء في مطعم سوري افتتح حديثاً، ولمدى إعجابي بهدوئه ورقته قبلت دعوته بسرور ومازحته بالقول: كل شخص يدفع فاتورة عشائه على الطريقة الأوربية فقاطعني حازماً: عيب يا دكتور أنا عازمك.
في الموعد المتفق، التقينا أمام مدخل المطعم الذي ولجناه فرحين، فكان إحساسي أنني فعلاً في سوريا وليس في برلين، حيث الموسيقى العربية والجو الصاخب من الزوار وصياح العاملين بالمطعم، فكل شيء هنا يشي بجوٍّ غير ألماني.
ألمانيا.. مزايا و علاقات حميمية
ونحن نتناول وجبتنا الشرقية اللذيذة (وأنا المحروم منها إلا نادراً) أخذنا الحديث إلى الحياة في ألمانيا والاندماج وشعور القادمين الجدد، فأبدى ثائر إعجابه وسروره المطلق بوجوده هنا، وما يتمتع به من مزايا في الحياة الجديدة، والأكثر من كل هذا ما كان ينقصه من علاقات حميمية مع نساء جميلات، لم يكن يحلم بهنّ حتى في المنام.
ولمدى متعة الحديث بين الرجال حول هذه المواضيع، أعجبني الدخول معه في الحديث والاسترسال به وأنا (القديم) هنا الذي اعتقد أن له مغامرات وليالي حمراء أكثر من القادم (الجديد)، فبدأت أسرد له بعض مغامراتي البهلوانية وحسبت أنه سيتفاجأ بها، وإذ به يأخذ الأمر بكل برود ويرد عليّ بسرد قصصه ولياليه بل ونهاراته الحمراء أيضاً، وعلى أكثر من جبهة بآن واحد؛ فلديه حالياً أربع علاقات حميمية مع فتياتٍ من ثلاث جنسيات مختلفة، وكلما كان يتحدث عن إحداهن كان يزهو مفتخراً ومن بعض ما علق بذاكرتي من جمله:
لك والله والله كل شيء كنت متخيله هلأ عّم ساوي معهم وما أشبع
لك يا دكتور شو كنّا محرومين ومظلومين
إي يا هيك الحرية يا بلاها
د. باري محمود. كاتب وطبيب سوري مقيم في ألمانيا
اقرأ/ي أيضاً:
برلينيات طبيب أسنان 1.. مسابقة في التطرف
القادمون الجدد والمهاجرون القدماء.. أزمة الحاضر والماضي 1
بين الانتماء واللاانتماء: كره الذات عند المهاجرين الجدد. حوار مع الباحث السوري سلام الكواكبي