رشا الصالح*
أكّد تقرير الأمم المتحدة لعام 2017 وجود 2.8 مليون سوري يعانون من إعاقة جسدية دائمة بسبب الحرب. وذكر التقرير كذلك “تعرّض 30 ألف إنسان في سوريا شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع”.
وفقاً للتقديرات التابعة لمنظمة الصحة العالمية فإن 2.3 إلى 3.3 مليون شخص من النازحين قسراً في العالم هم من ذوي الإعاقات، ثلثهم من الأطفال. هؤلاء معرضون للإيذاء الجسدي والجنسي والعاطفي، وغالباً يعاني ذوو الإعاقة من العزلة الاجتماعية ويواجهون خطر التخلي من قبل الآخرين أثناء عمليات الفرار.
بسبب الحرب الطاحنة التي تركت أثاراً كبيرة على كل شرائح المجتمع السوري من قتل وتهجير وإصابات وإعاقات ومايقارب 470000 قتيل، بما في ذلك ما يزيد عن 12000 من الأطفال، وأكثر من 7,6 مليون نزحوا داخلياً، تشير تقديرات اليونيسف أن 8.4 مليون طفل تأثر بالصراع سواء داخل سوريا أو خارجها. وستة ملايين طفل سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، أكثر من 2 مليون طفل لا يحصلون على تلك المساعدات لأنهم يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها أو تحت الحصار. كذلك قدّرت لجنة اللاجئين في الأمم المتحدة أن واحداً من خمسة لاجئين تأثر باعتلال جسدي أو نفسي أو عقلي، ومن بين 22٪ ممن يعانون إعاقة 13.4٪ هم من الأطفال، ولديهم قصور في التفكير بما يتضمن حالات التوحد.
(ياسمين) فتاة في الثانية عشرة من عمرها كانت تعاني من شلل نفسي وتبول لا إرادي وصعوبة في النطق وعزلة اجتماعية، حيث قُتل أبويها أمام عينيها في مدينة إدلب. استطاعت الهرب بمساعدة أحد السائقين، وفي مركز للرعاية النفسية في مدينة شهبا تم الإشراف عليها من قبل لجنة الدعم النفسي (بيتي أنا بيتك) على مدى ثلاث سنوات، وإعادة تعليمها ودمجها بالصفوف العلاجية التعليمية في المدينة، حيث استطاعت الكلام. تقول (ياسمين): “أتذكر مشهد أبوي بحزن وفقدان أخي وصعوبة وصولي لمدينة آمنة. أحاول النسيان فأنا الآن أتعلم وأحظى برعاية تعليمية وصحية، استطعت من خلالها الكلام”.
إضافة للأطفال هناك اللاجئون المسنون، وهم الشريحة الأكثر ضعفاً بخاصة المعاقين منهم. حيث أن 66% من اللاجئين السوريين المسنين لديهم إعاقة، بينما 33% منهم لديه إعاقة شديدة و65% منهم يعانون من الإجهاد النفسي.
تعاني النساء ذوات الإعاقة من صعوبات مضاعفة، حيث أن ثلث النساء ذوات الإعاقة يتعرضن لإساءة نفسية أو جنسية أو بدنية في حالات الكوارث الطبيعية والصراعات، وفقا لما جاء في تقرير عام 2015 للمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب الصعوبات التعليمية والتثقيفية التي تقل فرصة الحصول عليها في المخيمات ودول اللجوء.
(ابتسام) امرأة كفيفة تبلغ 42 عاماً فرّت من حلب مع زوجها وأولادها الثلاثة، وشقّوا طريقهم إلى اليونان ومن ثم إلى النروج على متن قارب مع 40 شخصاً رافقوهم تلك الرحلة الخطرة، ومنهم (فيصل) الشاب الجامعي الذي غادر القارب سباحة فالتقطه خفر السواحل الإيطالية، ومن ثم وصل كندا ليحصل على اللجوء هناك بعد رحلة استمرت 6 أشهر. عانى (فيصل) كثيراً ووصل إلى مراحل شديدة من الاكتئاب نتيجة الخوف والحرب والمخاطر التي شهدها في سوريا كفقدان منزله وموت أصدقائه، الأمر الذي حال دون استمرار تعليمه وعزلته الاجتماعية التي تحولت لحالة من الصرع والرهاب التوحدي. يقول فيصل: “قررت الخروج من سوريا بالمراكب غير الشرعية هرباً من الألم ولملاقاة أختي في كندا وعلّي أستطيع الحصول على العلاج واكمال مسيرة حياتي. لكني في حالي هذه أشهد الموت بأم عيني ولا أستطيع فعل شيء”!
هناك حوالي مليون معاق سوري أو أكثر في تركيا لم يسجّل منهم إلا 280 ألف حالة إعاقة شديدة، وفقاً لعدد من الدراسات الاستقصائية التي أجريت بين 2013-2014 وفي البلدان المجاورة كالأردن ولبنان يشكل اللاجئون نسبة بين 20-30% من نسبة السكان الأصليين، وما يقارب 30% منهم إما معاقين أو يعانون حالات صحية خطيرة، إضافة إلى ما ينقصهم من رعاية صحية ومساعدات إنسانية.
(خلدون سنجاب) شاب سوري من ريف دمشق مصاب بحالة شلل رباعي ويعيش على جهاز تنفس مربوط بالكهرباء. هو مبرمج مبدع يعمل بلسانه وشفتيه على البرمجة، استطاع بداية العام 2012 الخروج من سوريا إلى لبنان مع زوجته يسرى التي تتحدّث قائلة: “بدأت المعاناة الحقيقة لحظة خروجنا من سوريا، حيث وجدنا صعوبة كبيرة في اللجوء، فالمفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين في لبنان رفضت مساعدتنا للسفر خارج لبنان لاستكمال العلاج، وأغلقت الملف. كذلك رفضت بريطانيا قبولنا فخلدون لا يوافق المعايير الصحية المنصوص عليها. وكان بقاؤنا داخل لبنان صعباً بسبب ارتفاع أجور العلاج، فالمفوضية لا تغطّي مصاريفه والأجهزة الصحية تتعطل كل فترة وهذا قد يودي بحياة خلدون، كما أن انقطاع التيار الكهربائي خطر لارتباط جهاز التنفس بالكهرباء، مما أدى إلى تراجع وضعه وعمله المرتبط بالإنترنت والذي أثّر على وضعه النفسي أيضاً.
رغم الجهود المبذولة من كثير من المنظمات الدولية لتحسين الرعاية المقدمة للأشخاص الأكثر عرضة للخطر، فإن تدابير المساعدة والحماية المصمّمة للغالبية نادراً ما تلبي الاحتياجات الخاصة لذوي الإعاقات. حسب ما أفادت الأمم المتحدة، فنظراً لانعدام إجراءات التحديد والإحالة، وضعف تكييف الخدمات وتدني مستوى قدرة الوصول، يحرم مئات آلاف الأشخاص من ذوي الإعاقة فعلياً من المساعدات الإنسانية التي يستحقونها كل عام والذي يشكل خطراً يهدد بقاءهم.
*رشا الصالح صحفية وسينمائية من سوريا