بدأ الرسم منذ طفولته، ساعده في ذلك أنه ينحدر من عائلة فنية حيث كان جده نحاتاً بالفطرة، وعمه الفنان مروان الكرجوسلي كان منذ البدايات ومازال قدوته وأستاذه في الرسم.
كيفان الكرجوسلي مواليد مدينة دمشق 1988. درس في كلية الفنون الجميلة في السويداء سوريا وتخرج سنة ٢٠١٤. يقيم في ألمانيا منذ نهاية ٢٠١٥. ويدرس منذ ٢٠١٨ في جامعة الفنون برلين( الرسم) وجامعة هومبولدت ( التاريخ) برلين Universität der Künste/ Humboldt Universität -Berlin .
وكان قد قدم طلب الانتساب لكلية الفنون في برلين وكلية الفنون في لايبزغ، وتم قبوله في الجامعتين بعد أن نجح في امتحان القبول في كلتا الجامعتين، لكنه اختار جامعة برلين للدراسة.
يقول كيفان: فترة الدراسة بالجامعة هي الفترة التي بدأت فيها الفن، لأنها الفترة الحقيقية بحياتي كنت أعيش بها الفن بشكل يومي، وأيضاً لأنني بدأت فيها البحث الفني والفلسفي في الفن. قبل ذلك كنت أرسم فقط بدون أي هدف، لقد نشأت في قرية صغيرة في الغوطة الشرقية وكانت عائلتي كبيرة من ١٠ أفراد، فكنت أعمل أثناء الصيف لمساعدة أهلي في تحمل مصاريف الحياة لذلك لم يكن لدي الوقت الكافي قبل الجامعة للتفرغ للفن.
إن لكل فنان أسلوب يمتاز به وأسلوب يمثله، ماهي خاصيات أسلوب الفنان التشكيلي كيفان؟
في الوقت الحالي لا أستطيع أن أجزم بوجود أسلوب محدد يمثلني، لأنني مازلت في طور البحث الدائم، ولكن أستطيع القول أن الشيء المشترك في أعمالي هو تواجد كثير من التفاصيل في لوحاتي، يمكن للمتلقي أن يرى أكثر من لوحة ضمن اللوحة الواحدة من اللوحات التي أنجزها، وهذا الشيء للأسف يجعل الناس تعتقد بأنني أقوم بالزخرفة في أعمالي (بسبب فهمنا منذ نشأتنا أن التفاصيل الكثيرة هي زخرفة)، في حين أنني أقوم بجمع قصص كثيرة ضمن العمل الواحد، لأن رؤيتي لحياتنا كبشر أنها مرتبطة مع بعضها وأن اللحظة الآنية التي نتواجد فيها ليست منفصلة عن غيرها، وأيضاً مرتبطة بماضينا وتفكيرنا المستقبلي لذلك هي ليست زخرفة.
لبلوغ الغاية التي يرمي إليها كيفان الكرجوسلي من وراء فنه، أي شعار يضعه في رأسه لهذا الغرض؟
ما أقوم به وأسعى إليه يأتي من فكرة أن الإنسان لا تتكون شخصيته أو ينضج عندما يكبر في السن، وإنما تتكون شخصيته وينضج من خلال الذكريات والتجارب التي يعيشها، تلك التفاصيل في لوحاتي تمثل الذكريات وتفاصيلها في الحياة.
عندما أرسم هذه التفاصيل الكثيرة يكون هدفي منها تحفيز المتلقي لها وتفاعله مع اللوحة ليصبح جزءً منها، أحاول أن ألامس عقله الباطني واستخراج ما يوجد في داخله، من إعادته لذكريات قد نسيها بسبب مشاغل الحياة. اللوحة ليست بجماد وليست فقط لتزيين غرفة الجلوس، هي طاقة وخبرات فنان قامت بخلقها كل تلك التفاصيل في أعمالي، هدفها أن لا يُمل من اللوحة أو يتم معرفتها من مرة واحدة، وأن لا يتم نسيانها بعد أن توضع في مكانها المخصص على الحائط. أسعى للتفاعل بين اللوحة والمتلقي بأن يراها المتلقي كل يوم بشكل آخر ويكتشف فيها شيء جديد وتحفز لديه ذكرى جديدة.
هل هنالك أي من الثقافات تميل للتعامل معها وتتبادل معها الخبرات أو المهارات ؟
ليس هناك ثقافة محددة أميل إليها، لأننا خلال الزمن مرتبطون جميعاً في ثقافة مشتركة وخصوصاً في عالم الإنترنت، فقد أصبح العالم قرية صغيرة وما من ثقافة لانعرف الحد الأدنى عنها، أيضاً جميع الثقافات والحضارات السابقة يوجد تشابه فيها من خلال عبادة الآلهة والعقد الاجتماعي والسلطة الدينية الحاكمة إلخ. ولكن أميل إلى الفطرية في الفن.
هل تأثرت أو أثر أحد الفنانين العالميين في أسلوبك أو مسارك كفنان؟
بيكاسو عندما كنت طفلاً حاولت كثيراً نسخ لوحاته، ومن ثم فان كوخ وغوغان. تعجبني ثورتهم في الفن ومحاولتهم الخروج عن المألوف والبحث عن الذات والاستسلام للبدائية والعفوية في الرسم.
ما أعرفه عنك وبشكل شخصي شغفك بالقراءة، هل لها تأثير معين على ألوانك وتكوين لوحاتك؟
أنا شغوف بالقراءة، فهي توسع خيالي وفهمي للأمور الحياتية الروحية والنفسية والفنية، إن كان من خلال كتب السيرة الذاتية أو الفلسفة أو الروايات. لكل كِتاب وكاتب لمسته الخاصة و مفهومه الخاص، يحاول بشكل من الأشكال أن يشارك فيه الأخرين، ولكن ليس لها تأثير في اختياري للألوان أو التكوينات ضمن اللوحة إلا القدر اليسير .
يقال إن المبدع يحتاج إلى الحرية للتعبير عن خياله ودواخله بدون قيود ما رأيك بذلك؟
إن علاقتي مع لوحاتي كعلاقة المرء مع مِرآته، هي انعكاس لما يدور في الذات وأنا دائم الحديث معها، وهذا يحتاج للحرية. بدون حرية لا يوجد إبداع، التقيد حتى بأسلوب ومدرسة محددة في الفن هو قيد بالنسبة لي، لأن الفنان وقتها يعيد ويكرر ذاته عندما يرسم في أسلوب محدد لسنين طويلة يدخل في قفص الأسلوب، ولا يعلم كيف يخرج منه وخصوصاً عندما يكون هذا الأسلوب يدر عليه المال (وهذا ليس خطأ لأننا أيضاً بحاجة للمال لكي نستطيع أن نبدع في الفن). الفقر هو قيد من أقوى القيود للفنان في هذا الوقت. ولكن على الفنان أن يعطي نفسه المساحة للتحرر والبحث عن ذاته بين الفترة والأخرى.
ماهو مفهوم الفن عامة والرسم خاصة في منظور كيفان الكرجوسلي؟
الفن هو التاريخ والحضارة هو الحافظ لنا بعد أن تنتهي حياتنا. بدونه ما كنا سنتعرف على الحضارات السابقة ولا كانت لنا القدرة على معرفة كيفية حياتهم و أفكارهم ومعتقداتهم. الفن سابقاً كان مرتبطاً بالدين فكان هو السبيل لإيصال تعاليمه والحفاظ عليه. ولكن في الفترات التي قلت فيها سلطة الدين على الشعوب بدأ الفن في التراجع، لذلك كان لابد للفنان أن يجد ذاته بعيداً عن الدين. والآن أصبح الفن سبيل للبحث في مشاكل المجتمع وإيجاد الحلول، وأصبح لفردية الفنان أثر كبير في الطريق الذي سيسوقه إليه فنه. فصار الفنان حراً في البحث عن شيء آخر عدا تجسيد قصة من قصص الكتاب المقدس أو غيره، لذلك رأينا حرية كبيرة وأساليب جديدة وأفكار جديدة.
متى تحب أن ترسم وهل هنالك وقت محدد لذلك؟
ليس لدي وقت محدد ولا ساعات محددة للرسم، عندما لا أرسم في الحقيقة، يكون عقلي باللاوعي يقوم بالرسم، فالفن جزء مني وأنا جزء منه ليس هناك فصل بيننا.
هل للأم والمرأة مكان في أعمالك؟
للأنثى المكان الأكبر في أعمالي والمساحة الكلية لها هي فلكي وأنا الكوكب الدائم الحركة في مدارها، هي الجمال المقدس والحرية الكاملة، هي الأم والأخت الإبنة والصديقة الحبيبة والأمان، كل شيء يبدأ منها وينتهي بها.وتكون المجتمعات حرة عندما تكون المرأة حرة.
أقول شكراً لوالديّ أولاً وأخيراً لدعمهم لي في كل مفاصل حياتي ثم عمي مروان الكرجوسلي قدوتي وأستاذي.
أحمد ياسين. صحفي سوري
اقرأ/ي أيضاً:
بيوغرافي فنان العدد: حسكو حسكو وخطوط عوالمه البرّية…
بيوغرافي فنان العدد: حازم الحموي من الجنون لوناً إلى حوارٍ عميقٍ مع اللوحة
بيوغرافي فنان العدد: محمد خياطة.. التنوع في آليات التعبير تعويضاً عن ذاكرةٍ تُـفتَقد