أبواب- لايبزيغ
احتضنت مدينة لايبزيغ، يوميي 6-7 تشرين الأول/أكتوبر، المؤتمر الأوروبي الثاني لحرية الإعلام، الذي ينظمه “المركز الأوروبي لحرية الصحافة والإعلام” (EURUPEAN CENTER FOR PRESS & MEDIA FREEDOM)، المعروف بـ(ECPMF).
حملت دورة المؤتمر لهذا العام عنوان “قوة الحشد”، وهي رسالة لحشد قوى مختلف وسائل الإعلام الأوروبية خدمةً لحرية الإعلام، ولتوثيق الانتهاكات ضد الصحفيين. وشاركت فيه هيئات ومؤسسات إعلامية، وإعلاميين قدموا من أوروبا وتركيا وروسيا، إضافة إلى صحفيين وصحفيات من اللاجئين والمهاجرين. وتميزت هذه الدورة بالتركيز على الصحفيين اللاجئين والصحفيين في المنفى، نظرًا لأهمية موضوع اللاجئين حاليًا.
صحفيون من أصول مهاجرة، من الجيل الثاني أو الثالث، تحدثوا عن تصنيفهم كمهاجرين وليس كصحفيين أوروبيين، مثل الصحفية البريطانية فاطمة منجي، مقدمة البرامج في “بي بي سي” سابقًا، وفي قناة 4 حاليًا، وهي أول مذيعة أخبار محجبة في بريطانيا. وقد أكدت منجي على أهمية التعامل المهني معهم بعيدًا عن قولبتهم كمهاجرين. يذكر أنها كانت تقدم نشرة الأخبار يوم وقع الهجوم الإرهابي بالشاحنة في فرنسا، ما اعتبره البعض “استفزازًا” لمشاعر الجمهور!
كما عرضت الصحفية التركية سيفغي أكارسيزما (Sevgi Akarcesme) تجربتها في المنفى، والتي بدأت قبل أشهر، حين غادرت تركيا بعد محاولة الانقلاب، وتعرضِ صحيفة (زمان) التي تعمل بها لاعتداءاتٍ متكررة من الأمن التركي، واعتقال بعض زملائها. وفي يوم مغادرتها تركيا إلى الولايات المتحدة لمباشرة منحة دراسية، أصدرت الحكومة التركية مذكرة اعتقال بحقها وألغت جواز سفرها، وأُبلغت بذلك وهي في مطار بروكسل، فلم تستطع متابعة رحلتها وخسرت المنحة. وقد نفّذ المشاركون في المؤتمر وقفة تضامنية مع الصحفيين المعتقلين في تركيا.
الصحفية السورية علا الجاري
تحدثت الجاري لأبواب عن مشاركتها بالقول: “مداخلتي كانت ضمن جلسة بعنوان (خبراء من مناطق أخرى)، حيث طُرحت أفكار حول ما سيستفيده الإعلام الأوروبي من إدماج صحفيين لاجئين أو مهاجرين. فمثلاً يمكن الاستفادة من خبرتهم في القضايا الخاصة ببلدانهم في غرف الأخبار. وقد عرضتُ المميزات التي تتيح لنا كصحفيين قادمين حديثًا القيام بهذا العمل، وأهمها عامل اللغة والتواصل مع البلد الأم، والخلفية الثقافية والاجتماعية التي تمكننا من التعاطي مع مواطنينا، وفهم الأحداث وتأثيرها عليهم، فتجعلهم أكثر تعاونًا معنا”. وأعطت مثالاً من تجربتها الشخصية، عند تغطية موضوع اللاجئين العالقين في اليونان، حيث رفض كثيرون الحديث للإعلام ليأسهم منه ومن قدرته على تغيير وضعهم، إلا أنهم أعطوها إفادات وشهادات لأنها سورية مثلهم، وتشعر بمعاناتهم.
وأضافت علا: “لدينا دراية بالجهات الفاعلة، وقنوات اتصال معها، وبالتالي نعرف المصادر الأمثل للأخبار وللتعليق عليها، إضافة لقدرتنا على تقييم أهمية الحدث بحكم انتمائنا للبلد المعني، وبالتالي تحديد أولوية الأخبار. فالإعلام الأوروبي يركّز على الإرهاب في سوريا، في حين نعلم كسوريين أن الموضوع الرئيسي هو ثورة شعب، ويمكننا كصحفيين سوريين التعامل بموضوعية ومهنية أكثر”.
صعوبة دعم حرية الإعلام في الدول المضطربة
رئيس مجلس إدارة (ECPMF)، هنريك كافهولتز (Henrik Kaufholz)، أدلى بحديث لأبواب أكد فيه صعوبة دعم حرية الإعلام في الدول المضطربة عمومًا مثل سوريا والعراق، حيث ما يمكن عمله هو فقط دعم حرية الإعلام في مناطق لا تشهد نزاعاتٍ كهذه. وأشار من جهةٍ أخرى إلى أن المركز مدعوم أساسًا من المفوضية الأوروبية، وبالتالي فإن مجال عمله واهتمامه محصور في أوروبا، وبالصحفيين اللاجئين إليها. ويقول كافهولتز “نسعى لممارسة الضغوط على الحكومات، كالحكومة التركية مثلاً، ولكن لا نأمل الكثير من ذلك، فنركز اهتمامنا على الصحفيين بعد وصولهم إلى أوروبا. ولذلك للأسف ليس لدينا القدرة لدعم الصحفيين السوريين داخل سوريا.”
الإعلام وتغيّر المناخ السياسي تجاه اللاجئين
وعن تأثير التوجهات السياسية للحكومات على كيفية تغطية الإعلام الأوروبي لما يجري في سوريا، كالتركيز على موضوع “داعش” والحرب على الإرهاب، والتعامل السلبي أحيانًا مع قضية اللاجئين، وهل هذا ناجم عن ضغوط سياسية أم أنها قناعة منتشرة بين الصحفيين بالفعل؟ قال كافهولتز: “يمكنني الحديث أكثر عن الصحافة الاسكندنافية، التي تُميّز عمومًا في تناولها للوضع السوري، ما بين الثورة ورفض الشعب لحكومته من جهة، وبين قتال داعش، كإحدى جبهات الحرب على الإرهاب في العالم، من جهة أخرى، رغم صعوبة ذلك لدى بعض الصحفيين.” وأضاف “أعتقد أن الدنمارك والدول الاسكندنافية باتت أكثر تشدّدًا في سياسة اللجوء، فالسويد التي رحبت سابقًا باللاجئين وفتحت حدودها مثل ألمانيا، تعمل الآن على الحد من أعدادهم، حتى أنها طالبت الحكومة الدنماركية بتشديد إجراءاتها على الحدود لهذه الغاية. ويوجد بالطبع أحزاب يمينية في السويد والنرويج والدنمارك لكنها ليست بقوة مثيلاتها في ألمانيا، وتأثيرها محدود رغم وجودها في البرلمان. عمومًا هناك تغيّر في المناخ السياسي تجاه اللاجئين وهو ما ينعكس على الإعلام.”
الصحافة الكاذبة وجدل حول مصداقية وسائل الإعلام
أبواب التقت أيضًا مارتين هوفمان (Mrtin Hffman)، وهو صحفي ألماني وباحث في المعهد الأوروبي لدراسات حرية الإعلام. تحدث هوفمان عن الجدل الذي دار بين الألمان حول مصداقية الإعلام الألماني. يقول “منذ منتصف 2014 تصاعد جدل اجتماعي في ألمانيا حول مصداقية وسائل الإعلام، وتداول الناس مصطلح (الصحافة الكاذبة)، بمعنى أن الصحافة تنقل وجهة النظر الحكومية لا الواقع كما هو، وأن المحتوى الذي يقدمه الإعلام مجرد أكاذيب لتضليل الجمهور، وترافق ذلك مع صعود اليمين في عدة دول أوروبية ومن ضمنها ألمانيا، وظهور حركة بيغيدا. مما تسبب بحصول اعتداءات على الصحفيين خلال قيامهم بتغطية عدد من القضايا، لا سيما ما يخص موضوع اللاجئين”.
وبحسب هوفمان، كان الناس حينها مقتنعين “بنظرية المؤامرة” من الصحافة، وأن الوضع تحسن عام 2015 واستعاد الناس ثقتهم بها. وروى كيف حاولت بعض وسائل الإعلام خلق حوار مع المشككين، كحركة بيغيدا مثلاً في لايبزيغ، التي “ادعى أتباعها أن هناك تلاعبًا بالأخبار أو حذفًا واقتطاعًا للمشاهد، فدعتهم محطة (م.د.ر) لتمضية الوقت في مكاتبها، والاطلاع على كيفية سير العمل، وآلية إعداد البرامج، ومعايير اختيار العناوين الأهم. لكن الموضوع أكثر تعقيدًا، إذ لا يمكن الوصول إلى كل المشككين، كما أنهم موزعون على مختلف شرائح المجتمع، من الأكثر فقرًا والأقل تعليمًا، إلى المتعلمين وأصحاب الدخول المرتفعة. ولكن رغم صعوبة الأمر جرت محاولات جادة لإعادة الثقة بينهم وبين الإعلام” كما يقول.
وعن العلاقة بين صعود اليمين، والتناول السلبي للاجئين في بعض وسائل الإعلام الأوروبي، رأى الباحث الألماني أن صعود التيارات اليمينية جعل لها حضورًا أكبر في البرلمان، والإعلام مضطر للأخذ بآرائهم وعرضها. وأضاف: “التغطية في بداية أزمة اللاجئين كانت كلها إيجابية، وبعيدة عن الجانب النقدي مما أفقد الناس ثقتهم في الإعلام، وما يحصل الآن هو صعود اليمين بالتوازي مع تناول القضية بتوازن أكبر ما بين الإيجابيات والسلبيات”. وأكّد أن وجهة نظر الإعلام أو السياسات في ألمانيا تتغير، بالتوازي مع تغير الرأي العام تجاه موضوع ما، وهذا ما برز في موضوع اللاجئين.
السيطرة الحكومية على الإعلام
من المشاركين في المؤتمر أيضًا الصحفي الهنغاري بالاش نافارو (Balasz Navaro)، الذي يرأس حملة لتقصي الحقائق حول ما جرى على الحدود الهنغارية الصربية، والمواجهات بين الشرطة وحرس الحدود، وبين آلاف اللاجئين الذين كانوا يحاولون العبور، حيث تعرّض صحفيون كانوا متواجدين في المكان لاعتداءات من الشرطة، فقام نافارو وزملائه برفع دعوى قضائية عليها.
نافارو تحدث لأبواب عن الموضوع بقوله: “لا أمل في هذه القضية، فقد تمت المماطلة في تسجيل الدعوى لـعشرة أشهر، ولا نتوقع الكثير. فالحكومة تدعم الشرطة وترى أنها تصرفت بمهنية، وأقصى ما يمكن للقضاء قوله، أن أفرادًا من الشرطة بالغوا في ردّة الفعل لا أكثر، ولم يتعمدوا التهجّم على الصحفيين لصعوبة تمييزهم بين الجموع. وعن أحوال الصحافة في هنغاريا قال: “عمومًا، 95% من الإعلام في هنغاريا تسيطر عليه الحكومة مباشرةً أو تموّله، والباقي يحصل على دعم من بنوك أو رجال أعمال مقربين من الحكومة، وبالتالي كل الإعلام مسيطر عليه وتتطابق مواقفه مع الحكومة، باستثناء بعض المواقع الالكترونية التي تتمتع بهامش حرية أكبر، ولا تخضع لتأثير الممولين. وهنا يأتي دور الاتحاد الأوروبي والمنظمات الأوروبية لتدعم الإعلام الذي لا يتلقى الدعم من الحكومة ليستطيع المنافسة والقيام بعمله بحرية أكبر”.
خرج المؤتمر بخطوات عملية، منها العمل على إنشاء قاعدة بيانات بالصحفيين اللاجئين والمهاجرين، وخاصة القادمين الجدد، ووضعها في متناول وسائل الإعلام الأوروبية، الساعية لدمج بعضهم ضمن مؤسساتها، الأمر الذي لاقى تجاوبًا وحماسًا من مختلف المشاركين.