لينا وفائي
تداعت مجموعة من النسوة السوريات، المؤمنات بثورة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، لتشكيل حركة سياسية نسوية، إذ اجتمعت ثلاثون منهن في باريس بتاريخ 22-24 تشرين الأول ٢٠١٧، وتمّ الإعلان عن تشكيل الحركة، التي جاء في وثيقتها التأسيسية تعريفاً:
“نحن نساءٌ سوريات نعمل على بناء سوريا دولة ديمقراطية تعددية حديثة، قائمة على أسس المواطنة المتساوية، دون تمييز بين مواطنيها، على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة أو أي أساس كان، دولة حيادية تجاه كل أطياف الشعب، دولة القانون التي تساوي بين نسائها ورجالها دون تمييز، وتجرم أي عنف ضد النساء، بضمانة دستور متوافق مع منظور الجندر، يكون أساساً لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على جميع الأصعدة، السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاستناد إلى جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة اتفاقية السيداو، ويضمن مشاركة النساء مشاركة فاعلة في جميع مراكز صنع القرار بنسبة لاتقل عن 30%، سعياً إلى المناصفة مستقبلاً”.
اختلفت ردود الفعل على تشكيل الحركة، فبينما لاقت ترحيباً من الكثيرين، وصدرت بيانات دعم لها كما فعل الائتلاف الوطني، تعرضت من جهة أخرى للانتقاد والمهاجمة، خصوصاً على صفحات التواصل الاجتماعي، فاعتبرها البعض مجرد منصة جديدة تبحث عن مكان لها في العملية التفاوضية، واعتبرها آخرون ترفاً، في ظل ما يعانيه السوريون الآن من قتل وتهجير، معتبرين الحديث عن حقوق المرأة في ظل ما يحصل ما هو إلا تغطية على الجرائم الحاصلة بحق الشعب السوري، وأن علينا الانتظار لحل الإشكالات الرئيسة قبل طرح هذه المطالب، والتي وإن تكن محقة فهي ليست أولوية، كما أن من يعبر عن المرأة السورية ما هي إلا أم الشهيد أو زوجته أو أخته!
لست في معرض الرد على الانتقادات، ولا الدفاع عن الحركة، فما أود كتابته قد يندرج تحت بند البوح الشخصي، لماذا اشتركتُ في تأسيس الحركة، ولماذا الآن؟
منذ ثمانينات القرن الماضي اهتممتُ بالسياسة والعمل السياسي ومارستهُ، وفي ظل التضييق على أي عمل خارج منظومة الحكم، دفعت ثمن خياري هذا مع الكثير من أبناء سوريا، فاعتقلتُ ثلاث سنوات في عهد الأسد الأب، وفُصلت تعسفياً في عهد الإبن، بينما قضى زوجي خمسة عشر عاماً في معتقلات النظام. ربما يكون هذا ثمناً زهيداً مقابل ما دفعه شعبنا.
أود أن أقول أنني لم أؤمن بالعمل المدني في سوريا قبل الثورة، إذ كنت أرى أن الحرية لا تتجزأ، وأن أي نضال مدني يخوضه من لم يحصل على حريته السياسية، هو لتجميل هذا القمع. فكل منظمات المجتمع المدني آنذاك كانت إما تابعة للنظام أو تناور ضمن هامش ضيق للحركة.
بعد انطلاق الثورة تشكّل مجتمع مدني يعبّر عن الحراك، كما وجد النظام السوري نفسه مضطراً لتشكيل مجتمع مدني يعبر عن مواليه، وظهر سريعاً العديد من منظمات المجتمع المدني، والتي ساهم الممولون والمنظمات الدولية في تكاثرها، كما ظهرت أيضاً تعبيرات سياسية من أحزاب وتيارات وائتلافات. وككل السوريين المهتمين عملت مع إحدى المنظمات أو الشبكات المعنية بالمرأة السورية، في تيار سياسي ديمقراطي.
حين دُعيتُ لحضور المؤتمر التأسيسي للحركة السياسية النسوية، شعرت بأن حلماً لي بدأ يتحقق، نعم هو تواجد نسوي ولكن ليس كمجتمع مدني، وبعيداً عن الصورة النمطية للمرأة في منظمات المجتمع المدني والمترفعة عن العمل السياسي، والتي حاولت الأمم المتحدة تكريسها أكثر، عبر صورة المرأة صانعة السلام، دون موقف سياسي واضح لها، إذ جاء في مخرجات الحركة، التزامها بالتغيير الجذري لبنية النظام الاستبدادي إلى الدولة الديمقراطية التعددية الحديثة، والتزامها بالحل السلمي والسياسي في سوريا، ورأت بأن المحاسبة والعدالة الانتقالية، جزء لا يتجزأ من الانتقال السياسي لتحقيق سلام شامل عادل مستدام.
هذه الحركة تحاول التعبير عن مطالب الشعب السوري، بجعل الملفات الإنسانية والسياسية كحماية المدنيين، والإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسرياً؛ أولويةً غير قابلةٍ للتفاوض. إضافةً إلى فكّ الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات دون قيود، وضمان عودة طوعية كريمة للنازحين واللاجئين لديارهم. وهذا ما لا يمكن تحقيقه بوجود الأسد ورموز النظام.
إذن هو تواجد لنساء يعملن بالسياسة، جنباً الى جنب مع الرجال، بمنظورٍ نسويٍ يراعي حقوق المرأة السياسية، ويثبت وجودها، وهي حركة نسوية وليست نسائية، أي أنها مفتوحة لانتماء الجنسين إليها، رجالاً ونساءً شرط إيمانهم/ن بالنسوية وحقوق المرأة المشروعة وشروط قبولهم/ن بوثيقتها التأسيسية. ومن هنا تبدّى لي ما كنت أحلم به، أن أكون مع رفيقاتي في الحركة، امرأة لها موقف سياسي واضح مما يجري على الأرض، ورغم ذلك هي لا تُرجئ حقوقها، وتستطيع في نضالها الجمع بين الطلبات المحقة لشعبها مع طلباتها المحقة أيضاً، بحقوق غير منتقصة في وأمام القانون، وبتواجد فعّال في كل مفاصل الحياة، خصوصاً وأن المخرجات أكدت على رفع تمثيل النساء إلى نسبة لاتقل عن 30% في جميع مراكز صنع القرار، وأن تُحكم المرحلة الانتقالية بمبادئ دستورية متوافقة مع منظور الجندر، تكون أساساً للدستور الدائم الذي ينص على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وسيادتها واستقلالها، وسيادة القانون، وتداول السلطة، وفصل السلطات، وحقوق الإنسان والمساواة.
في الحقيقة أرى فيها حركة مستقبلية لبناء سوريا القادمة، خصوصاً وأن الحركة تدرك أهمية المسألة الكردية في سوريا، وترى أنه لا يوجد حل شامل في سوريا، دون الوصول إلى صيغة تضمن حقوق الجميع، وتضمن حماية التنوّع في المجتمع ومكافحة التمييز. وهذه الحركة وإن طالبت بحضور الآن على الساحة السياسية السورية، لكنها قطعاً لا تطالب بذلك على أرضية تقاسم الحصص، ولكنها خطوة نضالية على طريق طويل عليها خوضه لتصل الى ما تصبو إليه من مشاركة فعّالة وحقيقية للمرأة السورية ، إنها ضرورة وليست ترفاً.
لينا وفائي، ناشطة سياسية ونسوية، وإحدى مؤسِسات الحركة السياسية النسوية/ سوريا.