سامي حسن – ماينز
يطرح فوز اليميني العنصري دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سؤالين مهمين: الأول يتعلق بالديمقراطيات الغربية، والثاني بمستوى وعي الشعب في الدول التي تحكمها تلك الديمقراطيات.
على مدى حوالي قرن ونصف؛ تداول على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية حزبين هما الجمهوري والديمقراطي. ويمكن سحب هذه الحالة على الكثير من الدول الأوروبية، الأمر الذي يطرح سؤالاً جديًا حول مدى الديمقراطية لدى الديمقراطيات الغربية. بهذا المعنى ربما مازال صحيحًا ما أشار إليه المفكر الألماني (هربرت ماركوز) في كتابه “الإنسان ذو البعد الواحد” من أن ثمة فرق جوهري بين أن تتحرر من العبودية، وبين أن تعطى حرية اختيار سيدك كما هو الحال عند الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام الحزبين.
ربما يتفهم المرء تداول عدد محدود من الأحزاب (حزبين أو أكثر) على السلطة في حال وجود اختلافات جوهرية بينها من ناحية البرامج والسياسات. لكن الوقائع تؤكد أن الفوارق بينها شكلية، وأن ما يجمع بين هذه الأحزاب أكبر بكثير مما يفرقها.
أما سؤال الوعي فهو الأهم كما أظن. نظريًا، من المفترض أن تكون الشعوب في الدول الديمقراطية أكثر وعيًا في خياراتها. لكن واقعيًا تبدو الأمور عكس ذلك. لا شك بأن لوسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات الأيديولوجية والثقافية المسيطر عليها من قبل الأحزاب الرئيسية في الديمقراطيات الغربية دورًا كبيرًا في صياغة وعي الجماهير وإقناعها بأن النظام القائم هو الأفضل. لكن أن يصل وعيها لمستوى التصويت لليمين المتطرف المعادي لها ولكل ما هو إنساني فهذا ما يجب التوقف عنده ومحاولة فهمه.
فإذا كان من الطبيعي أن يلعب هذا اليمين على وتر الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ويحرك النعرات القومية والدينية والعنصرية، فإن من غير الطبيعي، كما أظن، أن تنطلي أكاذيب اليمين وشعبويته على شعب من المفترض أنه قطع شوطًا كبيرًا في التقدم الحضاري والإنساني!. وهنا لا يمكن إعفاء القوى السياسية، لا سيما اليسارية منها من المسؤولية. إذ أن عجز هذه القوى وتقاعسها وافتقارها للحد الأدنى من الراديكالية المطلوبة، هي من الأسباب التي تفسر صعود ذلك اليمين. هنا قد يكون مهما التذكير بما كان قد أشار إليه كل من المفكرين الألمانيين (ماكس هوركهايمر) و(ثيودور أدورنو) في كتابهما “جدل التنوير” حول تفسير صعود الفاشية. حيث تعاملت القوى المجتمعية بلامبالاة مع صعود الظاهرة النازية انطلاقًا من وهم مفاده أنه لا يمكن أن يتحقق في الواقع إلا ما هو عقلاني ومنطقي. ولما كانت هذه الظاهرة غير عقلانية، وهي بالفعل كذلك، فإن نجاحها، كما كانت تقول تلك القوى، هو من الاستحالة بمكان. لكن وصول النازيين إلى السلطة جاء ليقول عكس ذلك. وعليه، فإنه لمن الخطأ الجسيم اليوم الاستمرار في الاسترخاء واستسهال القول بأن أوروبا لا يمكنها أن تكرر تجارب الماضي. ففوز ترامب بالرئاسة الأمريكية يعطي جرعة قوية لليمين المتطرف في أوروبا الأمر الذي يعني ضرورة دق ناقوس الخطر لمواجهته وللحيلولة دون تحول الترامبية إلى ظاهرة طبيعية.
كاتب فلسطيني سوري