حكم عبد الهادي. كاتب فلسطيني ألماني
يخطئ من يظن أن الإعلام الألماني وربما الأوروبي إعلامٌ حرٌّ بالمطلق، كما يود أن يبيعه الأوروبيون، ولكن بصورة عامة يمكن القول إن الصحفيين في معظم وسائل الإعلام يتمتعون بحرية أكبر بكثير من زملائهم في العالم العربي.
الخطوط العريضة، خاصةً في الإذاعات غير الخاصة تحددها هيئات تمثل الأحزاب الممثلة في البرلمان والكنيسة. لنأخذ مثلاً موضوع الهولوكوست أو ما يسمى بمعاداة السامية وهو من الأمور الاستراتيجية التي تم الإجماع عليها. بالإضافة مثلاً إلى الناحية القانونية التي تؤكد على احترام الشعوب ومحاربة العنصرية وإدانة النازية الخ. وعلى سبيل المثال إنكار الهولوكست قد يؤدي بك إلى السجن: إنكاره في المانيا بالتحديد من المحرمات كفطور رمضان علناً في السعودية.
أما فيما يتعلق بالإذاعات والتلفزيونات الخاصة فلا بد أن تلتزم أيضا بالقوانين، والدستور، إضافةً إلى ميثاق شرف مجلس الصحافة، وهذا ينطبق أيضاً على الإذاعات غير الخاصة. وغني عن الذكر أن الإذاعات الخاصة تعيش بالدرجة الأولى على الإعلانات والشركات التي قد تتدخل في برامجها الخ. بصورةٍ عامة تمويل وسائل الإعلام الخاصة والعامة يلعب دوراً مهماً في تكوين برامجها.
أما الإعلام العربي فهو باستثناء الخاص موجهٌ عادةً من السلطة. وعلى سبيل المثال طلب أحد القادة الكبار جداً من تلفزيون غير فلسطيني وكان هذا مؤثراً جداً في الرأي العام الفلسطيني أن يكف عن نقد “السلطة”، وهو ما يتناقض مع أبسط مبادئ الصحافة.
مثال آخر من سوريا عشته شخصياً حين كنت في إطار عملي في إذاعة “صوت ألمانيا” التي تمول من الخارجية ووزارة المالية، في دورة لتدريب صحفيين عرب في معهد الإعلام العربي في دمشق، وكان بينهم شابات وشبان من السودان والبحرين تعلمت منهم الكثير. إذاعة دمشق أرادت أن “تتنور” بآرائي كإعلامي قادم من المانيا، فسألتني زميلتي السورية-الفلسطينية: ما هي اقتراحاتك لتطوير إذاعتنا “الموقرة”. بدأت حديثي بجملة أنهت الجلسة تقريباً: طالما أن الإذاعة تستهل برنامجها بالقول “استقبل الرئيس، فإن الجمهور سينصرف إلى إذاعة لندن أو غيرها”، قالت الزميلة: كيف شفت سوريا التي أحبها وأمقت الدكتاتورية فيها؟
الوضع لا يختلف كثيرا في فلسطين. أذكر أن صحيفة “القدس” تلقت إنذاراً لأن هيئة التحرير نشرت صورة “جميلة “ لعرفات رحمه الله على الصفحة الثامنة. لماذا الثامنة وليست الأولى كان سؤال مسؤول الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية. مثل ذلك قد يحدث في إذاعات وصحف فتح وحماس، والأسوأ من ذلك أن الصحفي “يقسم بالله ومعتقده” وليس بالالتزام بالقضية الفلسطينية -وهذا واجب وطني مشروع- وإنما بخط فتح أو حماس أي “السلطتين” أعطاهم الله العافية.
لا يريدون نقداً بناءً فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية التي تحدد من القيادات، بل يريدون السجود والتسبيح لإله السلطتين. وللأسف يتحول المستمعون إلى الإذاعات والتلفزيونات الخاصة والأجنبية بما في ذلك إذاعة العدو إسرائيل. المستمع شخص ذكي أكثر مما يتوقع الكثيرون.
عندما كتب الزميل عارف حجاوي قبل سنوات بشكل استفزازي مشروع أنه شعر بالسعادة عندما قصفت إسرائيل إذاعة صوت فلسطين، جن جنون الزملاء هناك وشنوا حملة شرسة على هذا الصحفي الذي أعتبره من أفضل الصحفيين العرب.
وبالطبع وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية في العالم العربي هي من أملاك هذه الدولة أو تلك خاصة السعودية وقطر والإمارات. وقد تكون وسائل الإعلام التي يوجهها عزمي بشارة وهي كثيرة أفضل من غيرها لانفتاحه وثقافته ولكنها بلاشك تظل موالية للممول.
بصورةٍ عامة لا بد من القول بأن وضع الإعلام محزن كوضع المواطن وذلك يعود إلى عدم احترام حريته. رغم انتقادي يظل الوضع في الضفة أفضل منه في قطاع غزة حيث تتصور السلطة في القطاع أنها مكلفةٌ من الله بتوجيه الناس. هذه آراءٌ شخصية. وجل من لا يخطئ.
إقرأ/ي أيضاً:
المصطلحات العنصرية في الإعلام وعلى ألسنة بعض الألمان
الإعلام المطبوع يخسر معركته حتى مع المجلات الإباحية
القادمات من شمال أفريقيا، الغائبات عن الإعلام