حوار خاص مع الكاتب مصطفى خليفة
حاورته غيثاء الشعار. كاتبة سوريّة، تدرس (السياسات العامة) في برلين
لا يحتاج مصطفى خليفة إلى مقدمة للتعريف به وبروايته “القوقعة“، لأنها صارت بمثابة توثيق للتعذيب والقهر في السجون السورية. تُرجمت إلى لغاتٍ عديدة، ومؤخراً إلى اللغة الألمانية على يد المترجمة لاريسا بندر، والتي قالت في لقاء سابق مع أبواب أنها ترجمت الرواية “لأني أجد أنه من الضروري جداً أن يعرف العالم ماذا حدث ويحدث في السجون السورية، لأننا هنا في ألمانيا نعيش فيما يشبه الفقاعة”.
خلال زيارة الكاتب مصطفى خليفة إلى برلين في أيلول/سبتمبر الماضي لتوقيع روايته بنسختها الألمانية، وبعد ندوة “الهروب والصدمة” التي كان ضيفها خلال مهرجان الأدب الدولي، التقيناه في أبواب وأجرينا معه حواراً قصيراً.
- باعتقادك، هل بإمكان “القوقعة” أن تكون وثيقةً تساعد على تحقيق عدالة في سوريا في المستقبل؟ وهل هذه إحدى وظائف الأدب برأيك؟
الحديث عن العدالة محصورٌ بالمجال القانوني، ولهذا لا يمكن لأي عمل أدبي أن يكون وثيقة أو دليلاً مقبولاً من قبل الجهات القضائية المختصة. وعلى العموم فإن تحقيق العدالة في سوريا لا يحتاج أو لايفتقر إلى الأدلة والوثائق، بل يحتاج إلى الإرادة السياسية للمجتمع الدولي، يحتاج إلى تفعيل القانون الدولي الإنساني الذي تم تجاهله من قبل واضعيه أنفسهم، أقول حالما تتوافر هذه الإرادة السياسية فهناك عشرات آلاف الوثائق.. لابل مئات الآلاف من الأدلة الدامغة التي تدين من أجرموا بحق الشعب السوري.
ومن ناحية أخرى لا أعتقد أن هذه من وظائف الأدب، وإن كان في لحظة تاريخية ما قد لعب هذا الدور” إميل زولا “.
- إن ترجمة “القوقعة” تتيح للقارئ الألماني التعرف على أشكال العنف الذي ارتكبه ويرتكبه نظام الأسد الأب والإبن، قبل عقودٍ من الثورة السورية والحرب التالية، فكيف يمكن لسياسيٍّ ألماني أن يجاهر بدعمه للأسد بعد افتضاحِ هذه الجرائم؟
إن الدعم الذي تقدمه بعض الأطراف ـ مهما كان شكله أو طبيعته ـ لاتقدمه لأنها تجهل أو لاتعرف أنه يرتكب الجرائم والفظائع بحق الشعب السوري، بل أكاد أزعم أن بعضها يقدم هذا الدعم لأن الأسد يرتكب هذه الجرائم، ولذلك أقول إن الموقف السياسي تمليه مجموعة المصالح لهذا الطرف أو ذاك، ولكن يبقى هذا السؤال ليس مشروعاً فقط، بل ملحاً، لأن الموقف مما يجري في سوريا لم يعد يدور في الإطار السياسي فقط، بل تعداه إلى المستوى الأخلاقي، إما أن تكون إنساناً ـ مع كل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة أخلاقية ـ أو لا تكون.
- وهل تتوقع أن يؤثر ذلك على تقبل الألمان لوجود اللاجئين في بلادهم مع ازدياد الدعوات إلى إعادة تحديد المناطق الآمنة في البلاد تمهيداً لإعادة اللاجئين إلى سوريا، لاسيما مع ازدياد نسب اليمين المتطرف؟
ما يجعلنا لانقلق كثيراً حيال موضوع اللاجئين هو أن ألمانيا ـ أو غيرها ـ بلاد محكومة بمنظومة قانونية متينة، قسم من هذه المنظومة ذو طابع وطني ألماني، وقسم ذو طابع دولي؛ معاهدات واتفاقيات، ونتيجة لهذا فإن اللاجئ يكون ـوبدرجة معقولةـ محمياً بواسطة القانون، حتى وإن فاز اليمين المتطرف أو الشعبوي ـكما حدث في إيطالياـ فإن هذا اليمين يستطيع أن يعرقل أو يحد من دخول اللاجئين الجدد، أما الذين استقروا وفقاً للقوانين فلا أعتقد أن اليمين يستطيع أن يؤثر عليهم بالعمق، فهو يحتاج إلى انقلاب قانوني، ليس على المستوى الوطني فقط، بل حتى على المستوى الدولي وهذا يحتاج إلى توافر الإرادة لدى مجموعة كبيرة من الدول بآن واحد.
- كيف ترى تفاعل القارئ الغربي مع الأدب أو أي منتج يتعلق بسوريا والثورة السورية؟
إذا أردنا توخي الدقة فلا يمكن الحديث عن قارئ غربي، هناك قراء غربيين، كل واحد منهم ليس صفحة بيضاء ينتظر ما سنقول له كي يتخذ موقفاً ما، أي أن كل واحد منهم محمّل بمفاهيم وأفكار وإيديولوجيا وعلى ضوئها يأخذ موقفه مما يعرض أمامه من قضايا.
أما بخصوص المسألة السورية فمن بابٍ أولى الحديث عن المثقفين الغربيين، فلاسفة وكتاب وصحفيين، فالغالبية من هؤلاء ينتمون إما إلى الفكر اليميني بكافة تلاوينه، أو إلى اليسار المتطرف مع اليسار البافلوفي ـحسب تعبير فاروق مردم بكـ، ومع أنه حدث وفي مرات كثيرة خلال التاريخ أن تلاقى الطرفان في نفس النقطة من الدائرة، إلا أنه لم يكن اللقاء بهذا الإجماع وبهذا الاتساع ـرغم التناقض والعداء بينهماـ وهنا يمكن الحديث عن المستوى الأخلاقي، سواء الفردي أو الجمعي، وهذا يفسر إلى حد كبير إصرار الإعلام الغربي على تصوير ما جرى في سوريا بثنائية الصراع ” داعش ـ الأسد “.
ولكن عموماً ونتيجة لكل ما سبق، فإن نسبة كبيرة من الغربيين أصيبت بالملل نتيجةً لطول الصراع في سوريا، وصار القتل حالةً اعتيادية، كما لاننسى أنه يوجد حالة من الإنكار، لأن عدم الإنكار يترتب عليه واجبات، والغربيّ يعيش في مجتمع مرفّه ولا يريد مشاكل الشرق وحروبه، لا لاجئين ولا أي شيء يخصهم.
- ختاماً.. هل تساعد الكتابة على التعافي ولو قليلاً من آثار السجن والتعذيب؟
نعم، إن الكتابة تساعد، وبنسبة لا بأس بها، على التخفف من هذه الآثار، كأن تشارك قصة معاناتك مع الآخرين، وهي إلى حد ما عملية إفراغ الدواخل المليئة بالألم والحزن والقائها خارجاً.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً:
مهرجان الأدب في برلين يستضيف مصطفى خليفة ومترجمة روايته “القوقعة” إلى الألمانية
“سيناريوهات العودة إلى سوريا.. شهادات حية”.. موضوع ندوة حوارية في برلين
“الشرق والغرب لن ينفصلا”.. انطلاق مهرجان الأسابيع الثقافية العربية في هامبورغ