تقرير: رشا الخضراء*
في عدة اجتماعات حضرتها مؤخراً، كثرت القصص التي يرويها الألمان من أصول أفريقية عن معاناتهم مع العنصرية، والسؤال الدائم عن أصولهم والذي يأتيهم من الألمان البيض، حيث لا يكتفون بالجواب القائل: “أنا ألماني”، بل يتعمّدون إعادته بطريقة: “حقاً، من أين أنت؟”.
أدى هذا إلى انخراط بعضهم في جمعيات ومنظمات لمكافحة العنصرية، أو إقامة نشاطات فردية مثل الموسيقي المعروف Festum ذو الأصول الإريترية، بينما انكفأ قسم آخر عن الجدال والكفاح محاولاً أن يتعايش مع الموضوع .وثمة أشخاص قادمون من دول أخرى كإسبانيا أو البرتغال أو المكسيك عبّروا عن معاناة مشابهة رغم أنهم أوروبيون!
من المضحك المبكي أننا كعرب مررنا ونمرّ بتجارب عنصرية داخل مجتمعاتنا العربية، سواء بسبب اختلاف المدينة، الدين، العرق، النسب أو الخلفية الثقافية والاجتماعية! وأحياناً تكون هذه العنصرية من أهل بلدنا بشعة لدرجةٍ نجد فيها التصرفات السيئة والإهانات التي نسمعها في المنفى أهون.
شعب الله المختار
فالعنصرية داء يتفشّى يومياً في العالم وبأشكال مختلفة إن على مستوى الأفراد أو الحكومات! حتى بات التعرّض للممارسات العنصرية مألوفاً في الشارع في كثير من الأماكن، فلم يعد السؤال ينحصر فيما إذا تعرّض الشخص لتصرف أو اعتداء عنصري، بل كيف عليه أن يتصرف في هكذا وضع وكيف يساعد نفسه!
بمصارحة مع الذات وإذا غصنا في أعماقنا كأفراد وحاكمنا أنفسنا، سنجد أن داخل كل منا شيء من العنصرية، تظهر على السطح في موقف ما في وقت ما! كلما ازداد نضج الشخص كلما استطاع علاجه بشكل أفضل، وكلما خالط ثقافات أخرى وزاد في ترحاله بعقلية منفتحة زالت تلك الغشاوة العنصرية عن عينيه.
من الممكن جداً أن تكون التربية المجتمعية مسؤولة عن هذا الداء. في بعض الأحيان تكون الأفكار الدينية مسؤولة، خصوصاً حين يعتقد أتباعها أن الله اصطفاهم. يجدر بالذكر أيضاً أن التقاليد المجتمعية الموروثة لها اليد الطولى في هذا وتؤثر كثيراً على الأجيال الناشئة، خصوصاً حين تتغنى بجمال عرق دون آخر أو بتفوق شعب أو لون على آخر، وترديد الأناشيد والأقوال حول ذلك تعزّز كثيراً من هذه الأفكار في اللاوعي.
تفشي العنصرية
ومما يزيد الطين بلة انعزال الأفراد والجماعات، واقتصار نهلها على ثقافتها الخاصة، مما يؤدي إلى خوفها من الغريب والمجهول، وعدم تقبله. يتجلى هذا في تصرفات تتسمّ بالعنصرية أو الشعور بالتفوق، بينما أساسها هو الجهل بالآخر والخوف منه والانغلاق على النفس.
أسباب تفشّي العنصرية كثيرة، والعوامل المؤثرة كثيرة كذلك، ويصعب التحكم بها وتغييرها جذرياً، بما فيها السياسة والإعلام. لكن ربما يكمن الحل بداية، وكما في حالة أي داء عضال، بكشفه والاعتراف به وتشخيص أسبابه ومن ثم طرح الحلول. فبعضنا كقادمين جدد إلى أوروبا نشكو من تعرّضنا لممارسات عنصرية متعددة وصلت أحياناً للاعتداءات الجسدية فذكرت العديد من المحجبات أنهن تعرضن للبصق أو الشتم بسبب حجابهن!
ولكن وفي كل الأحوال لا توجد إحصائيات دقيقة توثق الممارسات العنصرية التي يتعرض لها الأفراد في الدول الأوروبية، ولكن يوافق الكثيرون على إحساسهم بتغيّر المناخ العام في السنتين الأخيرتين، من ترحيب حافل باللاجئين إلى شعور بعدم الراحة والمطالبة بترحيل هؤلاء اللاجئين، كما الخوف من تغيير ديموغرافية أو ثقافة أوروبا! ولا ننكر أن وجود اللاجئين ساهم في وصول الأوضاع إلى هذه الحال، عبر تصرفات غير منطقية أو غير قانونية، عمل الإعلام على تضخيمها وزرع الخوف من الغرباء بشكل عام.
ماذا تفعل إزاء تصرف عنصري
من المهم جداً أن يعلم الشخص الذي قد يتعرض لتصرفات عنصرية كيف يجب أن يتصرف، وما هي حقوقه. حيث أن هناك قوانين تجرّم العنصرية وتمنعها، كما هناك جمعيات ومنظمات توفر إمكانية تسجيل الحادثة، ومن ثم تجميع هذه الحوادث ومحاولة إيصال صوت المعنفين للمعنيين بهذا الموضوع، ولربما الدفع باتجاه سنّ قانون ما يناسب الوضع القائم. ومنها جمعية: “إنسان” في مدينة برلين، حيث يمكن الدخول إلى الموقع وتسجيل الحادثة أو الموقف: https://www.inssan.de/.
كما يمكن العمل بشكل مؤسساتي في مشاريع تزيد فرص التعاون بين الأفراد من مختلف الثقافات، ويساعد في ذلك القانون الذي يحمي الجميع.
أما الحل الأهم فلابد أن يكون بيد صناع القرار والساسة، كالبدء بإدخال منهاج الذكاء الثقافي في المدارس، ليكبر الطفل ضمن بيئة ترفع مستوى كفاءاته وقدرته على التعامل مع مختلف الثقافات، والنظر لها كإغناء المجتمع.
في شوارع برلين قمت بعمل استطلاع، وسؤال الأفراد المتحدثين بالألمانية عن رأيهم بهذا الموضوع؛ وجود العنصرية في ألمانيا من عدمه، وكيف يمكننا مكافحتها؟!
ويمكنكم أن تتابعوا الفيديو معنا على قناة اليوتيوب Rasha and Life
*رشا الخضراء – إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
خاص أبواب
مواد أخرى للإعلامية رشا الخضراء: